يخبرني أحد الأصدقاء في إحدى الصحف، عن لعبة «ذكية» يمارسها بعض زملائه. يقول الصديق إن هؤلاء، وكلما هدأ الجو الصحافي قليلا، وخلت الساحة المحلية من قضية صاخبة تستدرج تصريحات النواب النارية والتصريحات المضادة لها سواء من الحكومة، أو غالبا من نواب آخرين، شعروا بالضجر والفتور وخافوا من وقوف البخت، فقاموا باختراع حكاية جديدة على طريقة «تخيّل»، مثل نكتة ذلك الحشاش الذي قال لصاحبه في إحدى جلساتهم الزرقاء «تخيل... خروف محشي بجنيه بس»!
يقول الزميل إنهم إما أن يخترعوا حكاية من العدم على لسان مصدر مسؤول يرفض الكشف عن اسمه وإما نسبة إلى تقرير لا يحدد مصدره ولا تاريخه، وإما أن يقوموا بتهويل وتضخيم حكاية بسيطة أو حتى هامشية حصلت فيزيدون لها من البهارات ما يكفل لها أن تصبح بالحرارة المطلوبة، حتى يتصلوا بأي نائب من قائمة محددة من النواب، سأسميهم نواب الاشتعال السريع، وأظنه يمكن للقارئ بفطنته أن يعرفهم، فيسألونه مثلا بطريقة: ما ردك على ما يثار حول كذا وكذا؟ وغالبا بعد محاولة أو اثنتين على أبعد تقدير، يقع أحد هؤلاء النواب سريعي الاشتعال بفخ التصريح دون التثبت من أبعاد وحقيقة الموضوع، فتحلو اللعبة وتنضبط، فيأخذون تصريحه ويطيرون به إلى نائب آخر من قائمة سريعي الاشتعال، ويحرصون على اختيار واحد من خصوم النائب الأول، فيقولون له: ما ردك على ما صرح به النائب الفاضل حول كذا وكذا، «ليشعللها» الأخ بتصريح أسخن من سابقه يرده إلى نحر أخيه!وحتى تكتمل اللعبة، يتم إيصال التصريحين، وكلاهما الآن صحيح صادر عن مصدر مسؤول لا يرفض الكشف عن اسمه مطلقا، بل يريد التلويح به دوما لزوم الشغل الانتخابي، إلى خدمة الأخبار عبر رسائل الهاتف النقال، والتي أيضا تكاثرت أخيرا من باب أن الدنيا أرزاق، وأن رزق «الما أعرف مين على الما أعرف إيش»، لتستدرج هذه بدورها المزيد من التصريحات النارية من هنا وهناك، فتكتمل أركان الحفلة، ويصبح الزمر والطبل والصراخ والعويل «من غير والي»، لتخرج الجرائد في صبيحة اليوم التالي محملة بالمانشيتات والعناوين لما صرح به النائب زيد وما رد به عليه النائب عبيد، وما قالته الجماعة الفلانية وما رد به عليهم التجمع العلاني، ويحمي الوطيس ويشتعل الشارع ومعه المنتديات والمدونات وأعمدة الكتاب، ليأتي وكالعادة تصريح الحكومة في «توالي» الحفلة، مقتضبا تائها بلا فائدة، فيبرز من بين الجموع نائب بلغ منه الاشتعال مبلغا، حتى صار اللهب يخرج من فمه والدخان من أذنيه وتتقلب عيناه في محجريهما كأنهما على جمر الغضى، فيرتقي مرتقى صعبا قبل أن يسبقه إليه أحد، لينبري للتهديد باستخدام أعلى أدوات المساءلة السياسية، ووضع الوزير المسؤول على المنصة، وربما رئيس الحكومة، عملا بالحكمة التي درجت أخيرا بأن «الفتى من قال ها أنا ذا فاستجوب، وخير الاستجوابات ما يسدد إلى الرأس مباشرة»!ودارٍ درى ودارٍ ما درى، أو كما قالت الراحلة حبابة، رحمها الله وكل موتى المسلمين، «زور ابن الزرزور اللي ذبح بقة وترس سبعة جدور»، تنتهي الحكاية بعد أيام اضطربت وصخبت وحفلت بالزعيق والنفير والتزمير، حلق بها الرعد القاصف على ارتفاع منخفض وتبعه أخوه، الذي نسيت اسمه، على ارتفاع أعلى بقليل، إلى ما انتهت إليه نكتة صاحبنا الحشاش «أبو الخروف المحشي اللي بجنيه بس» إلى أنه «ما فيش... بس تخيل»! كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء
مقالات
الخروف المحشي... ونواب الاشتعال السريع!
11-08-2009