لعبة الثورات الملونة... إيران نموذجا جديدا
«إن موسوي لم يكن سوى الذريعة التي رفعناها سعيا منا لإيجاد تغييرات أساسية، لكن ذلك باء بالفشل الآن، ولم يبق أمام العالم سوى التعامل مع الوضع الموجود». هذا التصريح هو لأحد قوى الثورة الإيرانية المضادة من المقيمين في الخارج وهو «علي كشتكر» وقد أدلى به في حديث له مع «راديو الغد» الناطق بالفارسية بعد إعلان فوز أحمدي نجاد مباشرة، وهو الراديو الرديف لراديو «سوا» الناطق بالعربية وراديو أوروبا الحرة سابقا الذي أطلقوه أثناء الحرب الباردة لإسقاط قلعة الشيوعية العالمية وتفكيك الاتحاد السوفييتي السابق. أعرفهم جيدا وعاصرت حكمهم عن قرب وكنت ومازلت أثق بوطنيتهم كما بتدينهم، أولئك الرموز الأساسية التي رشحت مير حسين موسوي للرئاسة، بل إن البعض اعتبره حادا في الذكاء وشديد الحساسية تجاه الخارج لاسيما الغربي الاستعماري منه، بل مناضلا عنيدا من أجل فلسطين وخيارات المقاومة والممانعة في بلادنا العربية والإسلامية، لكنها السياسة الملعونة ودهاليزها الألعن، وأسرارها ومكامنها وأفخاخها وألعاب الأمم المحيطة بها. وقد كنت من المعارضين لترشح الرئيس السابق محمد خاتمي مرة أخرى رحمة به وخوفا عليه، وخوفا من تكرار تجربة المتدثرين بعباءته والمتقمصين لدور صداقته. لكنهم قالوا لي وللكثيرين إن التجربة هذه المرة ستكون متفاوتة، ولن نسمح بتكرار تجربة الماضي المريرة للسيد خاتمي، كما لأنصاره الواقعيين وهم بالفعل صادقون. لكن السياسة الملعونة وأحيانا «السذاجة» الألعن عند بعض المخلصين الأنقياء والأتقياء تفعل فعلها أكثر من مجرد الرغبة الصادقة في الإخلاص والاندفاع والحماس من أجل الإصلاح والتغيير. فقد كانت الأجواء الإقليمية لاسيما تلك المحيطة بالقضية اللبنانية وانتخاباتها، والأخرى المحيطة بالقضية الفلسطينية، وتلك الأهم المحيطة بـ«الداعية» الجديد للتغيير، أعني باراك حسين أوباما تعمل كلها في إطار سلة واحدة أو رزمة واحدة عنوانها الرئيس: تهيئة الأجواء للتطبيع مع عدو الأمة الأساس. ولم يكن مهما بالنسبة لهم كل ما عدا ذلك، أن تكون أنت من الحرس القديم للثورة في هذا البلد أو ذاك، أو تكون من الحركيين الإسلاميين التقليديين أو الحداثيين، قل ما شئت وفكر كما شئت المهم أن يركب مشروعك في مكان ما أو في مربع ما مع مشروع التطبيع مع العدو الأساس للأمة.وهكذا فقد حشدوا كل ما أمكنهم حشده، وبكل الطرق الملتوية الممكنة لإظهار الرجل الجديد، وكأنه عنوان المرحلة الجديدة للخلاص، ولكن ممن؟ من الرئيس الراديكالي والمتشدد والمتعصب والمتوحش والبربري والعدو الأخطر على إسرائيل أي محمود أحمدي نجاد.ولذلك ترى أحدهم يكتب من الداخل وفي عز المعركة الانتخابية والسباق الماراثوني مقالة خطيرة في الدفاع عن الإصلاحيين تحت عنوان: الصراع بين «البربرية والمدنية»، فيما يكتب آخر من عقلاء القوم وتكنوقراطهم مقالا آخر تحت عنوان: إن إيران قد تم تحقيرها في دورة حكومة أحمدي نجاد.
فيما يقوم مرشح آخر أثناء مناظرة تلفزيونية حية مع نجاد بالتنكر لواحد من أهم مبادئ الإمام الخميني الراحل وبند من بنود الدستور، وهو دعم قضايا حركات التحرر متوسلا أصوات الناخبين الشباب ممن لم يسمعوا بذلك التاريخ، متبرئا من قول له في العقد الأول للثورة بضرورة تشكيل جيش لتحرير القدس، يكون الإيرانيون في طليعته، بينما يرفع موسوي نفسه في عدة إشارات مواربة شعار إيران أولا. وهكذا يكون الجو قد تهيأ لاجتياح دعائي وإعلامي واستخباراتي متوجا بنتائج انتخابات لبنان الملغمة بالرشى والمال السياسي وشماتة دول معسكر الاعتدال والغرب، يأتي إلى طهران مدججا بوكالات أنباء عريقة وفضائيات احترفت الحرب النفسية ووسائل إعلام جاهلة وبائسة لا تعرف من إيران إلا اسمها لإعلان فوز «الثورة الخضراء» رغم كون مرشحها براء منها وهي منه براء.لم يعد اليوم اللعب بالسياسة والتأثير على الثوار والحركات والرموز والكبار والصغار رهنا بالعمل التقليدي المباشر المعروف للقناصل والسفارات، ولا هو محصور بالاتصال المباشر فقط ولا بدفع الرشى والمال السياسي، كان المطروح والمروج له أن يخرج موسوي فائزا من صناديق الاقتراع بأي ثمن كان وأي نتيجة أخرى كانت تعني بالنسبة لهم مزورة.أما الصادقون والمخلصون والمناضلون الحقيقيون، وفي مقدمتهم المرشح موسوي نفسه فإنهم كانوا يتوقعون الفوز بالتأكيد وقد عملوا من أجله الكثير وبكل إخلاص. لكن ماذا لو جاءت النتائج خلافا لتوقعاتنا؟ هل الاحتمال الوحيد هو أن ثمة تلاعبا قد حصل؟! وهل الحل الوحيد هو النزول إلى الشارع بكل الغضب والعنفوان فاتحين الباب أمام حروب القناصل والسفارات من خلال تسلل المتدثرين والمتقمصين والمتاجرين والمتلاعبين الأخطر بمصائر الأمة؟الإجابة الصريحة والشفافة عن هذه الأسئلة بالبراهين والأدلة القاطعة هي التي تفصل في الحكم على ما جرى ويجري في الشوارع الإيرانية عقب الإعلان عن فوز الرئيس أحمدي نجاد.* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء