مشهد ثقافي حافل
انقضى منتصفَ الشهر الماضي المؤتمرُ الثالث للأدباء السعوديين الذي حظي بمتابعة حثيثة على المستوى المحلي، وأثار العديد من النقاط موضع الاختلاف، ولم تكن الصحافة السعودية تخلو من تحقيقات أدبية، أو استطلاعات بشأن فعاليات المؤتمر وجدوى إقامته في الوقت الراهن، وكان أول مؤتمر عُقد عام 1974، تلاه مؤتمر آخر عام 1998، ومن ثم يأتي المؤتمر الراهن 2009، حيث تقرر أن يُعقد كل عامين.
تُطرح الأسئلة بشأن آلية اختيار الأدباء المشاركين في المؤتمر، وكذلك أوراق العمل التي تُقدم، والجهة المنوط بها تنظيم هذه الفعالية، ولم يسلم رؤساء الأندية الأدبية من الانتقاد الشديد من جراء المحاباة في اختيار الاسماء المشاركة، ذلك بحسب الأدباء المستبعَدين. وكذلك فإن أعضاء لجان المؤتمر وُوجهوا بالانتقاد لأن غالبيتهم أكاديميون، بل هم ينتمون إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، مما يكون سبباً في استبعاد طيف آخر من الأدباء والمثقفين، عدا عن أن هناك حساسية مبطنة بين الأكاديميين، والأدباء من خارج حقل الجامعة، عبر اتهامات للفئة الأولى بأنهم يتحصنون خلف شهادات الدكتوراه، لنفي آخرين ليس لهم سوى الإبداع أو الكتابة المجردة من أي شهادة جامعية عليا.يفتح هذا الحراك، الذي شهدناه في الثقافة السعودية، الباب واسعاً لتأمل حال المشهد الثقافي برمته في هذا البلد الذي يشهد طفرة كبيرة من حيث طباعة الكتاب وتوزيعه، فمعرض الرياض للكتاب أصبح تظاهرة سنوية مشهوداً لها، بل ان توزيع بعض الإصدارات يربو على ألف نسخة خلال أيام المعرض فقط، الأمر الذي حدث مع رواية «الحمام لا يطير في بريدة» للروائي السعودي المبدع يوسف المحيميد، وكذلك رواية «شارع العطايف» للروائي عبدالله بن بخيت، يُضاف إليها كتب نقدية هامة مثل كتاب «القبيلة والقبائل، هويات ما بعد الحداثة» للناقد السعودي د. عبدالله الغذامي. تضيف الجامعات السعودية رافداً آخر مهماً، خصوصاً بعد افتتاح «جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا» التي لم يخل افتتاحها من جدل فكري وديني بشأن الاختلاط، وحرية البحث العلمي، وآلية الاستفادة من أدوات الحداثة، كما أن التنوع المناطقي بين مدن المملكة التي هي أشبه بقارة مفتوحة يتيح فرصاً لتلاقح ثقافي متباين، وإن بدرجات مختلفة. فالصوت الإبداعي القادم من مدينة بريدة، أو أقصى الجنوب في السعودية بالتأكيد ليس هو الصوت ذاته الذي نستشفه في مدينة جدة، لذلك ليس مستغرباً أن نسمع عن شاعر أو أديب ينسب إلى إحدى هذه المدن كقولنا شاعر جدة، أو شاعر مكة المكرمة أو أبها، أو المنطقة الشرقية.يتولد من رحم هذا التنوع جدل آخر ينتج عن الأندية الأدبية في المملكة العربية السعودية وجدوى إنشائها. وهي متهمة بالنخبوية، وابتعادها عن الجماهير، كما تتهم بالشللية أحياناً، وافتقادها أسس الاختيار الديمقراطي. على الرغم من كل ذلك أرى أن في وجود هذه الأندية في كل مدينة سعودية عاملا مساعدا على تطور الخطاب الثقافي، وإن تجاوزنا مسألة المحاضرات والندوات الآنية، وهي أسهل ما يمكن أن تقدمه هذه الأندية، نتوقف عند إصدارات هذه الأندية وهي إصدارات ثقافية مهمة، أخص بالذكر هنا مجلات دورية من قبيل «علامات»، وهي متخصصة في النقد الأدبي، و»جذور» المعنية بالتراث، و»نوافذ» المخصصة لترجمة الإبداعات العالمية، وجميعها تصدر عن نادي جدة الأدبي، ولا شك في أن لكل ناد من هذه الأندية إصداراته الخاصة به سواء كانت دورية، أو دراسات أدبية لأعضاء هذه الأندية.يبدي بعضهم ملاحظات حول قلة الإمكانات، وسوء الطباعة والإخراج ونحوه، بالرغم من ذلك تبقى هذه الإصدارات جهدا ثقافيا يصب بالتأكيد في مصلحة المشهد الثقافي السعودي. وما من شيء يخلو من النقص، إذا توافرت النية الصادقة، فإن إصلاح الخطأ أمر جد هين.