الثامن من مارس يوم عالمي للمرأة، من قال إن يوماً واحداً يليق بالمرأة؟ ومن قال إن يوماً يكفي لتكريم ومحبة أمٍّ واحدة في أيِّ بقعة من هذا العالم؟ أو زوجة أو أخت أو بنت أو جدة أو خالة أو عمة، قريبة أو بعيدة!

Ad

وحدها المرأة مانحة الحياة الأجمل، ووحدها شجرتها الخضراء اليانعة، ووحدها حنان الدنيا ولمستها المختلفة!

أرى أن من يتيتَّم من أبٍ فهو يتيم، لكن من يفقد أماً يفقد حياة بأسرها.

تربّيت في حضن أمٍّ وأب، ومنهما، يرحمهما الله، رضعت حباً وحناناً وعطفاً وعلماً وكبرياء. كل منهما علمني على طريقته، وها أنا الآن أذكر نظرة أمي التي مضّت في لحم قلبي، فجعلتني أهيم حباً بزوجتي وبناتي وأقربائي وأهلي وأصدقائي. نعم، أجزم أن أمي أرضعتني الحب مع حليب عيشتنا معاً، وأمي علمتني أن حياة بلا حب وحنان ووصل طيب بالآخر لا تُعاش، وإذا اضطررنا إلى عيشتها، فسندفع من وجع قلوبنا ودموعنا ثمناً غالياً لذلك. أمي ربطتني بحبل سرة العالم، ووحدها أمي، زرعت في قلبي حباً أوزّعه كل يوم على أحبتي، وما أن تغفل عيناي طرفةً عنه، حتى يتجدد في قلبي، ويصبح أكثر.

أبي، كان مختلفاً في غرسه الذي غرسه في قلبي. رجل عاش بكبرياء كرامته وشموخه، وكان لا يساوم على كلمته ونظرة عينيه وطريقه. طويلاً، عقوداً احتجت، كي أدرك أن جنون كرامة يسير بخطوي إنما يعود ببذره إلى أبي. وفي كل ما كان يغرس أبي في قلبي وضميري، كانت أمي تنحني، ليل نهار، لتسقي ذلك الغرس، الذي كان قاسياً في أحيان كثيرة، بماء الحب والحنان، ووحده ذاك ماء الحياة.

الأم مدرسة، ليس لأنها تعلم الحرف والكلمة، على أهمية ذلك، لكنها مدرسة لأنها تعلم الحياة. وأجزم أن إنساناً من دون معرفة حرفٍ يستطيع العيش، لكن إنساناً من دون معرفة الحياة، سيتخبط كثيراً. وكم هم أولئك، بناتٍ وشباناً، يعرفون الحرف والكلمة، لكنهم لا يعرفون دروب الحياة؟ فيضيعون فيها، ويرسم سُخَام أسود خطوهم إلى الهاوية.

الأم مدرسة، وفيها نتخرج حاملين شهادة قدرتنا على المُضي في منعطفات الحياة، ومن يُحسن ولعاً واستماعاً وتملياً في تعاليم أمه، سيُحسن وصلاً وثباتاً في لحظة الوجع والألم والخيانة.

منْ قال إن كل أمٍّ فيض حنان؟ ومنْ قال إن كل أمٍّ مدرسة؟ ومن قال إن كل أمٍّ مربية فاضلة؟ ومن قال إن كل أمٍّ قدوة لأبنائها؟ ومن قال إن كل أمٍّ تستحق التعظيم والتبجيل؟ أنا أقول صباح مساء ذلك، ويقيني أن كل أمٍّ، أياً كانت الظروف التي تعيشها، فهي تنطوي على خفق قلبي، ليس كمثله شيء، وهي وحدها قادرة على أن تمنح أبناءها، ما يعجز الكون عن منحهم إياه. فحب الأم مختلف، ولمسة الأم مختلفة، وحنان الأم مختلف، وهل أقول بعد أن اشتقت، منذ زمن بعيد، إلى مذاق طبخ أمي، أن لقمة تعجنها وتطهوها أمي، بأصابع يدها الحبيبة، وهواجس قلبها الصغير، وبركة دمعاتها الغالية، يعجز أي «شيف» في أفخر مطاعم الدنيا، أن يخلق مذاقاً مثل مذاقها في فمي!

إليكن، أمي، وزوجتي، وبناتي وحفيداتي، حبيبات غاليات باقيات مقيمات في قلب القلب، إليك يا امرأة أهيم بعشقها، حتى من دون معرفتها، أينما تكون وفي أي زاوية من هذا العالم الصغير، إليكن خفق قلبي بمحبتي واعتزازي، ومنكن إلى قلبي دعاء تعشقه روحي، ولمسة يد تعيد الاعتداد إلى خطوتي.