لا أعلم سبب ثورة النواب من كلمة «الشارع» حينما استخدمها رئيس مجلس الأمة، تعليقا على تجمع ساحة الإرادة الرافض لقانون الخصخصة مطلع الأسبوع، بقوله نحن في مؤسسة تشريعية وليست «شوارعية»، فالنواب الثائرون هم من نزلوا إلى الشارع، وأزعجونا بأنهم يمثلون نبض الشارع، ومتى ما تضايقوا من مشروع قانون هددوا بتحريك الشارع ضده، وإذا سألت أيا منهم من يمثل؟ يرد عليك ملء شدقيه: أنا أمثل الشارع، ومع ذلك حينما قالها الرئيس عتبوا عليه وتعاملوا مع كلماته وكأنها شتيمة.

Ad

نواب الشارع، لمن لا يعرفهم، سيماهم على وجوههم، يعشقون الظهور الإعلامي، ويمارسون التشريع والرقابة وسط الحشود بالشارع لا داخل مجلس الأمة، فتراهم يحرصون على حضور تجمعات الشارع أكثر من حضورهم جلسات مجلس الأمة ولجانه، وهم مقتنعون بأن «الشارع» حملهم إلى مقاعدهم الخضر، فيردون جميله بأن يمثلوه ويحملوا قضاياه، هم باختصار مجموعة نواب يريدون تسيير البلاد حسب مزاجهم، لأجل خاطر عيون «الشارع» الذي أوصلهم، ضاربين بالديمقراطية وحق الأغلبية ودور الأقلية عرض الحائط، فتجدهم ميالين لخطف القرار وتجيير البرلمان لتنفيذ أجندتهم، وبعضهم يرى نفسه محتكرا للفضيلة والحقيقة المطلقة، ومعارضيهم يتنوعون ما بين خونة وحرامية وفاسدين وحكوميين.

مساء الأحد الماضي تزامن ارتفاع صوت نواب «الشارع» من ساحة الإرادة مع انعقاد جلسة لمؤتمر عن دور القطاع الخاص في المشاريع التنموية، وكان البون شاسعا بين من تحدث في المؤتمر ومن تحدث في التجمع، فمن المؤتمر كانت هناك انتقادات ودعاوى هادئة لتسريع وتيرة إنجاز المبادرات والمشاريع، بينما هدد الآخرون بالإضراب متى أقر قانون الخصخصة.

وأمام الشارع بنوابه، والمختصين بمؤتمرهم، وقفت حكومتنا متفرجة، فلا حضرت هنا ولا تحدثت هناك، بل فاجأت الجميع بانتهاجها خطا مستقلا أقرت بموجبه كوادر مالية لموظفيها، وهي التي أرهقتنا سابقا بأن أي زيادات ومزايا إضافية تتعارض مع توجهات وتوصيات البنك الدولي، وبالمناسبة البنك الدولي كان حاضرا أيضا بالمؤتمر من خلال تعاونه مع هيئة الصناعة في تنظيم وفرز الأراضي الصناعية.

بت في الفترة الأخيرة دائم الحيرة تجاه ما أراه من ممارسات، فالحكومة تصيح بأنها لا تقوى على استيعاب جيوش الخريجين، وتطالب القطاع الخاص بخلق فرص عمل، وفي الوقت نفسه ترفع رواتب موظفيها بدلا من توجيه الزيادات إلى القطاع الخاص، وبدلا من أن يكون القطاع الخاص جاذبا للخريجين، تصبح الحكومة أكثر إغراء، كما تنسى المتقاعدين، وتهمل من أفنى حياته بالعمل العام ويعيل أسرته بصمت، لتكافئ موظفيها الجدد.

الحكومة التي تقدم وتسوق خطتها التنموية بالخارج، وتصرخ بأنها تدعم القطاع الخاص، وتساهم بوضع قانون الخصخصة، تعود و«تلف فوق حدر» وتقرر بين عشية وضحاها ضخ 150 مليون دينار سنويا، كزيادات لفئات من موظفيها بينهم من تمت زيادته العام الماضي.

وسط هذه الفوضى يقرر «الشارع» ممثلا بنوابه ومن لم تشملهم الزيادة شل البلد، ويهددون إذا أقر البرلمان قانون الخصخصة بالإضراب عن أداء وظائفهم، وعليه سيتوقف التلفزيون الرسمي عن العمل، وكذلك المطار الدولي، كما سيمتنع المدرسون عن حضور الحصص، وسيتعطل العمل بمنشآتنا النفطية، فقط لأن الحكومة أقرت كوادر بعض الجهات ونواب الشارع يعارضون قانون الخصخصة.

في الكويت، أصبح «الشارع» هو المدير الفعلي لا مؤسساتها أو القانون، وبناء عليه فمن الأجدى لنا أن ننحي المنطق جانبا، ونتحول إلى «شوارعيين» حتى نحصل على ما نريد، لأن الشارع عندنا هو "الكسبان" دائما.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

__________________