هل تخسر إيران حرب الاستخبارات؟
لا شك أن تراجع أداء جهاز الاستخبارات الإيراني أمام أجهزة التجسس الغربية سيضعف نفوذ طهران في تعاملها مع الغرب، إذ يظهر أن المجتمع الاستخباراتي الغربي يحرز تقدماً في اختراق برنامج إيران النووي.
أفادت وكالة فارس للأنباء في طهران في الساعة 10:13 صباحاً عن مقتل مسعود علي محمدي، محاضر فيزياء بارز، بـ"فعل إرهابي"، ووفقاً للبيان، قُتل بواسطة قنبلة في دراجة نارية فُجّرت عن بعد، وذلك إثر مغادرته منزله الكائن في حي قيطرية شبه الراقي في طهران. وبعد ساعة وتسع دقائق، في الساعة 11:22 بتوقيت طهران، أعلنت الوكالة عينها، إنما هذه المرة على لسان المدعي العام في طهران، أن القتيل كان بالفعل عالماً نووياً، ووفقاً للبيان عينه، كانت الدراجة النارية المفخخة التي أودت بحياة هذا الأخير مركونةً بالقرب من سيارته، وقد كان الانفجار شديداً إلى حد أنه حطّم النوافذ المجاورة، وفي وقت لاحق، نقلت الخبر محطّة بريس التلفزيونية في طهران.
كان مسعود علي محمّدي محاضراً مشهوراً في جامعة طهران، تخصص في الفيزياء الكمية وحصل على شهادته الدكتوراه في عام 1992 من جامعة شريف المرموقة. لابد أن الأسئلة والهواجس اجتاحت في صباح ذلك اليوم مكاتب وكالة "عقاب-2" لمكافحة التجسس، وتأسست هذه الوكالة بوجه التحديد في ديسمبر 2005 لمنع تسرب المعلومات المتعلقة ببرنامج إيران النووي، فضلاً عن علمائه ومنشآته، ووقوعها في أيدي وكالات الاستخبارات الأجنبية وحركات المعارضة المحلية.قد يكون احتمال اغتيال محمدي على يد حركة إيرانية معارضة مثل حركة "مجاهدي خلق" ضعيفاً، لكن لا يمكن استبعاده، فقد اغتالت هذه الحركة في السابق مسؤولين عسكريين بارزين في وضح النهار. وأشهر مثال على ذلك كان اغتيال الجنرال رئيس هيئة الأركان في الجيش الإيراني، علي سيد شيرازي، على عتبة بابه في أبريل 1999. على الرغم من أن هذه الحركة تحقق مكاسب كثيرة عادةً باستهداف شخصيات سياسية رفيعة المستوى، فلاشك أن اغتيال عالم نووي قد يعود عليها بالنفع أيضاً، وقد يمثّل هؤلاء الأشخاص بالنسبة إليهم أهدافاً ثمينة، لذا فإن اغتيالهم قد يسبب إحراجاً كبيراً لحكومة أحمدي نجاد، ويبعث إلى هذه الأخيرة برسالة قوية عن تحسّن قدرات هذه الحركة على جمع المعلومات الاستخباراتية. من المحتمل أيضاً أن يكون محمدي اغتيل على يد وكالة استخبارات أجنبية، وإن صح ذلك، يأتي هذا الحادث الأخير ضمن سلسلة إخفاقات شهدتها وكالة "عقاب- 2" لمكافحة التجسس. بدايةً، كانت الوفاة الغامضة لأردشير حسن بور، عالم نووي، في عام 2007، ووفقاً لصحيفة "تايمز" في لندن، فقد تم اغتياله، وأعقب ذلك اختفاء الجنرال علي رضا أصغري في مارس 2007، حيث يعتقد البعض أنه لجأ إلى الولايات المتحدة.وفي هذا العام، اختفى شهرام أميري، عالم نووي أيضاً، خلال أدائه مناسك العمرة في المملكة العربية السعودية، ويعتقد البعض أنه فرّ، بينما تتحدث تقارير أخرى عن اختطافه، لكن كلا السيناريوهين يشكّل نذيراً سيئاً للمجتمع الاستخباراتي الإيراني، وقد تلا هذا الحادث كشف الرئيس أوباما عن موقع نووي سري في فوردو، بالقرب من قم.لا شك أن تراجع أداء جهاز الاستخبارات الإيراني أمام أجهزة التجسس الغربية سيضعف نفوذ طهران في تعاملها مع الغرب، إذ يظهر بأن المجتمع الاستخباراتي الغربي يحرز تقدماً في اختراق برنامج إيران النووي. ذلك يعني أن أهداف إيران النووية وقدراتها ستتضح أكثر فأكثر، ما يصعّب عليها تعزيز موقف يسمح لها بالتفاوض. يشكل ذلك على الأرجح أحد الأسباب وراء إصرار الولايات المتحدة على أن تنقل إيران 75% من اليورانيوم المنخفض التخصيب لديها دفعةً واحدة إلى روسيا ومن ثم إلى فرنسا لتحويله إلى وقود نووي. لا يستطيع المرء استبعاد احتمال أن يكون مسؤولو الاستخبارات الأميركية قد اكتشفوا، عبر مصادرهم الخاصة أو وكالات الاستخبارات، أن مسحوق اليورانيوم الذي يطلق عليه "الكعكة الصفراء"، الضروري لصناعة اليورانيوم المنخفض التخصيب، أخذ ينفد من إيران، لذلك حين يتحول 1200 كليوغرام من اليورانيوم المنخفض التخصيب إلى وقود نووي، لن يكون بمقدور إيران إنتاج قنبلة، إذ لن تكون بحوزتها الكمية المطلوبة من هذا اليورانيوم. ذلك ما يدفع بإيران على الأرجح إلى الإصرار على نقل اليورانيوم المنخفض التخصيب على دفعات، لعّلها تأمل عبر المماطلة في إيجاد مصادر جديدة. وما يعزز هذا الاحتمال اكتشاف محاولة طهران في الآونة الأخيرة شراء مسحوق اليورانيوم المركز (الكعكة الصفراء) من كازاخستان.منذ غادر جورج بوش منصبه، بدأ كثيرون يستبعدون احتمال شن الولايات المتحدة هجوماً ضد إيران، لكن بالاستناد إلى أحداث ذلك اليوم، لا يمكن قول الأمر عينه عن حرب استخباراتية ضد إيران. قد يكون أوباما مختلفاً عن بوش، لكنه ليس مسالماً هو الآخر. من المحتمل إذن أن يعتمد هو وحلفاؤه أكثر فأكثر على الاستخبارات كبديل للتحرك العسكري. وفي ظل تفاقم المشاكل المحلية في إيران، سيخيب ظن آية الله خامنئي، إذ إن مثل هذه العمليات لا تمنحه الأعذار التي هو أحوج ما يكون إليها لمحاولة جعل الشعب يلتف حول العلم الإيراني.* مير جافدانفار | Meir Javedanfar