قرأت عبارة تقول: «الحب ليس كسب شخص ما، إنما خسارة نفسك من أجل شخص ما»!

Ad

ورغم جمال «الميلودراما» في ظاهر معنى الجملة السابقة، فإنها في جوهرها سلبية جداً، وساذجة جداً!

صحيح أن للمعنى دلالة على الاستعداد للتضحية بالذات، من أجل الفوز بشخص نعتقد أنه كل الدنيا، والاختفاء تماما كحبة رمل في عباءة تضاريسه الغنيّة بالغابات والصحاري والبحار، والتحول إلى بخار في مملكة غيومه الكثيفة، والرغبة في التلاشي كقطرة ماء مسربة من صنبور هرم، في هدير سيله الجارف، لكن هذه الصور لا تصلني كما ينبغي لها من احتفالية جليلة لإبراز النبل، إنما هي صور عقيمة لتأصيل الضعف! صور تؤكد أن الحب ليس سوى عملية سلب تتم في وضح النهار ورابعة المشاعر! واغتصاب لذات طرف لحساب طرف آخر، وليس صحيحا أن هذا الفعل تم برغبة المُغتصَب وبملء إرادته، مما ينفي صفة الاغتصاب، فالحاجة إلى الحب عند بعض الأشخاص وفي بعض الأحيان تعمي البصيرة قبل البصر، فيصبح الشخص مسلوب الإرادة، وأضعف من أن يتخذ قرارا صائبا! والدليل على شدة الاحتياج التي قد تؤثر في صحة شخص ما العاطفية والفكرية، وتؤدي إلى مثل هذه القناعة المشوشة، هو ارتكاب الفعل ذاته!

الحب بهذه الصورة ليس سوى فعل انتحار للذات، فهل ينتحر سويّ؟!

إنها صورة قميئة وبائسة للحب.

صورة تكرس فهما شاذا يعتمد على ألّا طريق للفوز بحبيب، إلا عن طريق خسارة ذواتنا، واستلاب جوهرنا الإنساني، وأننا لن نفوز بالحبيب المنتظر إلا بعد أن نفعل كما فعل بطل مسرحية «فاوست» عندما باع نفسه للشيطان!

نصوّر الحب كأنما هو فعل مسخ لنا، لا عملية نماء رائعة لماهيتنا، نعتقد أن الحب هو تغييب كامل، لا فعل تكامل بهي.

الحب الذي على هذه الشاكلة حب مريض، يعاني عقدا نفسية مريعة، ويجب أن يذهب سريعا إلى أقرب مصحة نفسية للعلاج!

الحب جميل... ورائع... ونقي... الحب لا يلغي ذاتك، إنما يؤكدها، ولا يغيبها، إنما يجعلها حاضرة كشمس طاهرة، يجمّلها ولا يشوهها، يمسح عنها غبار العتمة ويزيدها ألقاً، الحب السليم هو ما يصفّي روح العاشقين من أنانيتهما وأمراضهما النفسية، في محاولة منهما لرؤية الآخر في أبهى صورة له ليس في عينيه فقط كمحب، لكن في عيون الناس أجمعين.

أي حب يرغمنا على التنازل عن لون ريشنا، حب متسلط، وأي حب يجعلنا نمحو بصمة أصابعنا، ليس سوى لص جبان، وأي حب يأمرنا بأن ننسى طريقتنا الخاصة في إعداد قوت أفكارنا لننتظر ما يلقيه علينا من فتات مائدته حب آثم، وكل حب يلغي ألوان خارطة عواطفنا حتى لا نميز البحر من اليابسة، هو حب فاسد.

لا تدَعوا أحدا يصادر نوتة نبضكم الخاصة باسم الحب، ولا تسمحوا لأحد بأن يزوّر بطاقتكم الشخصية باسم المشاعر، الحب ليس أن تخسر نفسك من أجل شخص آخر، لكن أن تكسب الاثنين معاً!