منذ أن بدأ هذا العام والمنجمون يتسابقون في ترويج التوقعات والتنبؤات، محاولين الاستجابة لأمزجة الجماهير، حتى اختلط الأمر بين المنجم والكاتب وقارئ الكف، وعلى الرغم من تقدم العلوم فإن ذلك لم يمنع فشل المنجمين أو أي من علماء الاقتصاد في التنبؤ بالأزمة المالية العالمية، واليوم يتحدث البعض عن سيناريوهات مستقبلية حول أزمات وحروب عالمية أخرى قادمة.
ومن ضمن التنبؤات التي صدقت تلك التي تنبأت بوصول الرئيس الأميركي الأسمر إلى الحكم، وحتى يومنا هذا لم تخل التنبؤات والتوقعات من محاولة تقييم مسار أوباما في شق طريقه وسط المجتمع الدولي، أقول ذلك بعد قراءتي دراسات ومقالات عديدة حول سبل تقييم وتقويم إدارة العلاقات الخارجية بشكل عام، وآخر ما قرأت في الأسبوع الماضي، مقال «لبرجنسكي» المستشار السابق للأمن القومي، والذي نشر في العدد الأخير من مجلة السياسة الخارجية الأميركية، والذي حسب اعتقادي، نجح في إلقاء الأضواء على تحليل وتقييم مفاهيم إدارة العلاقات الخارجية، عبر استخدام نظرية التوازن بين القرار الإداري المدعوم من قبل فريق استراتيجي فاعل من جهة، ونتائج اتخاذ القرار، وبالتالي تقييم مسار أثر القرار في وزن الدولة كعنصر فاعل أحيانا وقيادي أحيانا أخرى في القضايا الدولية من جهة أخرى. ابتدأت المقالة بأهمية وجود الفريق التنفيذي لاستراتيجية العلاقات الخارجية الأميركية، المتمركز حول أوباما، باعتباره راسم العلاقات الخارجية في البيت الأبيض، ومن ثم تشكيله أكبر مجلس للأمن الوطني في تاريخ الولايات المتحدة. الأمر الذي رفع، في اعتقادي، سقف التوقعات الخاصة بطرح حلول للقضايا الرئيسة، وفتح الباب أمام المحللين السياسيين والاقتصاديين لاختبار المرحلة التنفيذية للاستراتيجيات المطروحة.وعودة إلى المقالة فأولى القضايا التي تطرق لها الكاتب هي قضية فلسطين، فيعتقد برجنسكي أن الوقت مناسب لاتخاذ قرار بشأن القضية الفلسطينية الإسرائيلية، بكل تفاصيلها، بما فيها وضع مدينة القدس، ما بين العاصمة القديمة والإدارة الدولية... ثم تتناول المقالة موضوع المهام والواجبات الأمنية التي يوفرها حلف الناتو للدول بحكم العضوية والشراكة، ومنها حماية أمن إسرائيل بعمقها الاستراتيجي، مما قد تتعرض له بعد قيام دولة فلسطينية مستقلة، ومن يدري فقد يتنبأ المنجمون بالتحاق الدولة الفلسطينية بالناتو كشريك أيضا!!الموضوع الثاني هو الملف الإيراني، حيث يتساءل الكاتب عن استراتيجية التعامل مع المعطيات الحالية وهي الاستعداد للتفاوض والقدرة على إنتاج اليورانيوم، وتطور نظم التفتيش الدولي، والتعاون الإيراني الفرنسي الروسي لإنتاج اليورانيوم المخصب، بالإضافة إلى العلاقات مع الصين كشريك آسيوي اقتصادي كبير. وباعتقادي أن الدعم الإعلامي والإسلامي والشعبي الذي اجتاح دول آسيا وأظهرته الصحافة، تفاعلا مع وصول أوباما إلى الرئاسة، ومؤيدا لخطابه الذي ألقاه في الجامعة الأميركية في القاهرة يضع أمام الإدارة الأميركية معطيات جديدة لم تتمتع بها (أو تواجهها) أي من الإدارات السابقة، الأمر الذي يحملها أعباء اتخاذ القرارات التي لم تستطع الإدارات الأخرى اتخاذها.ويتطرق المقال أيضا إلى مفهوم استراتيجي مهم ألا وهو اللباقة أو المرونة الاستراتيجية STRATEGIC FITNESS وهو عنوان المرحلة القادمة، وهنا يتساءل الكثيرون: هل يستغل أوباما شعبيته لدى مسلمي العالم ويستخدم مرونته الاستراتيجية لطرح الحل المنتظر للسلام بين دولة إسرائيلية وأخرى فلسطينية؟ وهل تمتد المرونة لتشمل الاحتواء الإيجابي لمناطق النزاع في دول آسيا، شاملة بذلك أفغانستان والدول المجاورة لها؟ خلاصة الأمر لا يخفى على أحد أهمية التخطيط الاستراتيجي في العلاقات الدولية، وإدارة أوباما باعتقادي تمتلك مقادير القوة والقبول معا، وأتفق مع الكاتب في الحاجة إلى استراتيجية تنفيذية بعيدة عن البيروقراطية والمعوقات الإدارية.المقال طويل ويحمل الكثير من النظريات، وما تطرقت له لم يكن إلا جزءا يسيرا تخللته وجهة نظري المتواضعة... وللحديث بقية. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
مقالات
الإدارة الأميركية والمرونة الاستراتيجية
09-02-2010