زمن عبدالله السالم خلافات الأسرة

نشر في 26-08-2009
آخر تحديث 26-08-2009 | 00:00
 أ.د. غانم النجار كيف جاء؟ بل من أين جاء عبدالله السالم؟ ليزرع في أرجاء الوطن الصغير الأمل، ويغسل أكباد الأحبة، ويجعل بلداً صغيراً كالكويت أرحب من العالم وأوسع من الفضاء، وأكثر من النجوم. الطريق طويل وشاق، ربما تعلَّم منه دروساً، ففجأة، ودون مقدمات وجد عبدالله السالم نفسه، ولم يكن عمره حينئذ يتجاوز 29 عاماً، مرشحاً لإمارة البلاد. كان المرشحون لذلك ثلاثة، هو وأحمد الجابر وحمد المبارك.

الزمان فبراير 1921، العدسة مُسلَّطة على الرجل المسجَّى على فراشه حاكم الكويت آنذاك الشيخ سالم المبارك، البلاد في هرج ومرج، الشيخ أحمد الجابر كان قد أوفده الشيخ سالم إلى عبدالعزيز بن سعود أمير نجد والحجاز حينئذ للتفاهم وتخفيف حالة التوتر بين الرجلين بعد وساطات قام بها الشيخ خزعل بن مرداو حاكم المحمَّرة، ولذلك لم يكن مستغرباً وجود كاسب بن خزعل ضمن الوفد.

كان «اللوبي» السياسي يتجه إلى دعم الشيخ أحمد لتولي الإمارة خشية أن يكرر الشيخ عبدالله توجُّه أبيه سالم في ميله إلى العثمانيين.

على أثر وفاة سالم، تحرك الكويتيون وقدموا العرائض إلى الأسرة الحاكمة، مطالبين فيها بإنشاء مجلس شورى، ورشحوا الثلاثة الآنف ذكرهم، شريطة أن يوافق الأمير المقبل على المطالب الشعبية. وصل خبر وفاة سالم إلى بن سعود قبيل مغادرة أحمد الجابر عائداً إلى الكويت، فلحق به ومزق ما تم بينهما من اتفاق: «خلافنا مع عمك، أما أنت فولدنا وما بينّا خلاف». عاد أحمد الجابر فتم إبلاغه المطالب الشعبية وهو في طريق عودته، مع توصية بالموافقة على تلك المطالب، وافق مباشرة فأصبح هو الأكثر حظوة، وتم استبعاد المرشحين الآخرين.

ويبدو أن حرمان الشاب عبدالله من الحكم قد أثر في نفسه، وعلى أثر تلك الحادثة تم خلق مفهوم التناوب بين آل سالم وآل جابر، والذي يتضح أنه قد تبخَّر ولم يعد موجوداً على أرض الواقع الراهن.

لم يكن دخول عبدالله السالم الحلبة السياسية وسط ماكينة خلافات الأسرة بجديد، ففي تلك الحقبة كانت خلافات الأسرة على أشدّها، بلغت أقصاها باغتيال الشيخ مبارك الصباح لأخويه محمد وجراح، وما تلا ذلك من صراعات وحروب بين مبارك ويوسف بن ابراهيم. خلافات تلك الحقبة كانت هي الأشد وطأة وحدَّةً داخل الأسرة، مع أنها تراجعت كثيراً بعد وفاة يوسف بن إبراهيم، إلا أن ظلالها كانت حاضرة.

آثَر عبدالله السالم الانسحاب الهادئ، مكثرا من انزوائه في جزيرته المحببة إلى نفسه فيلكا، أو أبعد من ذلك إلى درة التاج البريطاني الهند. فماذا لو أصبح عبدالله السالم أميراً في 1921؟ هل كان سيصبح هو ذاته عبدالله السالم الذي خبرناه حاكماً متسامحاً مستنيراً عندما تولى الحكم في 1950؟ اختيار عبدالله السالم للانسحاب مدة قاربت 29 عاماً، فترة حكم الشيخ أحمد الجابر، ربما يكون قد أعطاه فرصة للتأمل، وربما صقل شخصيته، وأسفاره رفعت درجة الذوق لديه، وأسهمت في رقته وعذوبته، ولعلها عززت تسامحه، مما انعكس على طبيعة حكمه. صورته المعارضة كانت بارزة عندما رشحه بن سعود ليرأس لجنة الجمارك المشتركة، التي رفضها الشيخ أحمد، ونتج عنها أطول وأقسى حصار اقتصادي من إمارة نجد والحجاز، ومن ثم المملكة العربية السعودية (1932)، عانت من جرائه الكويت الأمرّين، وعادت صورته المعارضة تلك مرة أخرى عند اختياره لرئاسة المجلس التشريعي المنتخب (1938) الذي حله الشيخ أحمد الجابر لاحقاً بالقوة.

وهكذا دخل عبدالله السالم الحلبة السياسية في ظل خلاف حاد داخل الأسرة، يتوارى منه خجلاً ما نعرفه عن خلافات الأسرة الحالية، إلا أن الأمر لم ينتهِ عند هذا الحد.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top