الزمان هو عام 1956.

Ad

حالة الإحباط تسود المكان والمحيط، كما هو حالنا الآن.

الحكومة، أعطت ظهرها لأي انفتاح سياسي، وقررت ألّا تلقي بالاً لأي مطالب.

منذ مجيء الشيخ عبدالله السالم فشلت تجربة الانتخابات الجزئية الأولى سنة 1951، ثم فشلت تجربة مشابهة أخرى سنة 1954.

أسباب ذلك الغش عديدة، إلا أن أغلبها كان بسبب تشتت مراكز القوى داخل الأسرة الحاكمة، وتصادم بعضها مع بعض، ومناهضتها لأي بوادر انفتاح سياسي، أو مشاركة سياسية حقيقية. لم يتمكن عبدالله السالم من تحييد تلك الاتجاهات المتناقضة، ولاسيما مع ازدياد دخل النفط. حاول، إلا أنه لم ينجح.

ومع أن شخصية عبدالله السالم، كانت سهلة، لينة، متسامحة، غير عدوانية، منفتحة إلى حد بعيد، وكان يسعى إلى بناء دولة حديثة بموجب مشاهداته في دول العالم، فإنّ واقع الأسرة وخلافاتها كان أقوى منه كما يبدو. وربما وجد أنّ الوسيلة الأجدى للتعامل مع ذلك الوضع هي السفر. وقد رصدت أنه سافر للراحة خلال ستة أشهر فقط 7 مرات قضاها ما بين الهند ومنزله في شتورة بلبنان، أقصرها كان ثمانية أيام وأطولها كان 40 يوماً. ولربما يكون في ذلك شيء من تفسير لماذا صدر دستور الكويت سنة 1962 وهي السنة التي اختفى فيها عن المسرح السياسي أفراد الأسرة الذين كانت رؤاهم معارضة للانفتاح السياسي.

إلا أن الحراك الشعبي لم يتوقف، ولم يتجمد، ولم يضبط ساعته على توقيت ووتيرة أزمة العلاقات الداخلية في الأسرة. وكان المشهد السياسي على موعد مع قنبلة سياسية - إن جاز التعبير - فعلى إثر العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، خرجت الجماهير في الكويت إلى الشوارع منددة ببريطانيا، وأصيبت الحكومة بالحرج أمام الحكومة البريطانية فطلبت من الشرطة التدخل لقمع المظاهرات، وكانت المفاجأة غير المحسوب حسابها هي رفض مدير الشرطة جاسم القطامي تنفيذ تلك الأوامر، وقدم على إثرها استقالته من منصبه. وفي لقاء سابق لي مستفسراً عن سبب استقالته، قال: "عندما توليت منصب مدير الشرطة أطلقت شعاراً ودربت الأفراد عليه، وهو شعار الشرطة في خدمة الشعب، فكيف يطلب مني أن أقمع الشعب؟ لذلك تقدمت باستقالتي المسببة". ذلك كان موقف رجال من ذاك الزمن، حينئذٍ بالطبع لم يكن جاسم القطامي وحيداً في الميدان، ولم تكن نوعيته قليلة، بل كان هناك الكثير من الشخصيات التي قدمت التضحيات، وبسببها يتحرك المجتمع ويصلح، ويظل جاسم القطامي واحداً من رموز ذلك الزمن أطال الله عمره وشفاه.

وهكذا أخذ الضغط الشعبي وحراكه يزداد لكي يحدث انفراجات هنا وهناك، ربما كان الشيخ عبدالله السالم في حاجة إلى ضغط شعبي يساعده في تحييد عناصر من أسرته. فماذا حدث بعد ذلك؟ لم تنفرج الأزمة بل اشتدت وتعقدت وتعمقت، حتى انطبق عليها المثل "اشتدي أزمة تنفرجي". فالدستور، الوثيقة الأهم لم يأتِ. ولم يولد ولم يرَ النور إلا من رحم أزمة مستفحلة كما سنرى.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء