كذبةٌ وسقطت!
وصف نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن إسرائيل، في محاضرته في جامعة تل أبيب، التي أعقبت الصفعة التي تلقاها في القدس المحتلة، بأنها أهم أصدقاء بلاده في الشرق الأوسط، وحقيقة هذا ليس جديداً وليس مستغرباً، فالمعروف أن الأميركيين بقوا يعاملون هذه الدولة، التي درجت العادة على أنها لم تتردد في أن تصفعهم على أقفيتهم كلما شعرت بأي تعارضٍ بين مصالحها ومصالحهم، على أنها أحد أعزّ وأهم حلفاء الولايات المتحدة الأميركية، بل إنها الأكثر دلالاً من بين هذه الولايات كلها الصغيرة منها والكبيرة.إن هذا هو الواقع، وإن المعروف أن إسرائيل أدْمت قلب دافع الضرائب الأميركي منذ إنشائها حتى الآن، وأن الولايات المتحدة بقيت ضامنة لها ولاقتصادها ولإمكاناتها العسكرية، وأن الحروب التي خاضها الإسرائيليون ضد العرب جميعها في حقيقة الأمر حروب أميركية بالأسلحة وبالأموال وبالاستخبارات وبالقوى البشرية أيضاً وبكل شيء.
ولذلك ومن أجل هذا الاستنزاف المتواصل لأموال دافعي الضرائب الأميركية فإن إسرائيل كانت تسوق نفسها خلال الحرب الباردة وصراع المعسكرات على أنها خندق الدفاع المتقدم للولايات المتحدة، وللغرب عموماً، ضد المد الشيوعي، وضد أنظمة هذه المنطقة المتحالفة مع الاتحاد السوفياتي، ومنظومة الدول الاشتراكية، وأن انتصارها في حرب يونيو عام 1967 كان انتصاراً للسلاح الغربي على السلاح الشرقي الذي كانت تتسلح به مصر وسورية! ثم وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومة الدول الاشتراكية في مطلع تسعينيات القرن الماضي بادرت إسرائيل إلى طرح نفسها وبسرعة على أنها جدار الصدِّ المتقدم للدفاع عن الغرب المهدد بـ"الإرهاب الإسلامي"، وأن وظيفتها السابقة باقية ومستمرة، ولكن ضد عدو جديد، للحضارة والقيم الغربية، هو الإسلام الزاحف في اتجاه أوروبا وفي اتجاه الولايات المتحدة.والحقيقة أنه كما انكشفت الكذبة الأولى، وثبت أن إسرائيل لم تكن خندقاً متقدماً ولا مخفراً أمامياً ضد التسرب الشيوعي إلى منطقة الشرق الأوسط، فقد انكشفت الكذبة الثانية وتأكد الغرب كله، باستثناء من هو على شاكلة جوزيف بايدن، الذي قال في محاضرة جامعة تل أبيب الآنفة الذكر: "إنه ليس من الضروري أن يكون الصهيوني يهودياً"، أن الذي يتصدى للإرهاب في هذه المنطقة وغيرها هو الإسلام الصحيح، أي الإسلام الوسطي والمعتدل، وهو الدول العربية التي استهدفها هذا الإرهاب سابقاً ولاحقاً وحتى الآن.لقد سقطت كذبة إسرائيل السابقة واللاحقة، والمفترض أن يبادر الأميركيون، بعد أن تلقوا الصفعة الإسرائيلية الأخيرة، التي وصفتها هيلاري كلينتون بأنها كانت إهانة مقصودة للولايات المتحدة، إلى أن يعيدوا النظر في تحالفهم وصداقتهم مع هذه الدولة التي بقيت تمتص دماءهم، وبقيت لا تتردد في توجيه الصفعات إلى وجوههم وأقفيتهم، عندما تشعر بأي تعارض بين مصالحها والمصالح الأميركية.