قبل أن يُخرج العقاد فيلم «الرسالة»، كان قد انخرط في دراسة السينما أكاديمياً، وتخرج من جامعة جنوب كاليفورنيا، وعمل في بداية مشواره بالصحافة، ثم عمل بعد ذلك في شبكة تلفزيون «سي بي أس» وعمل مع المخرج والكاتب الأميركي «سام بيكنباه»، فقدم سلسلة من الأفلام التسجيلية. وقدم ريبورتاجات تلفزيونية عدة.

Ad

وعندما حصل العقاد على التمويل اللازم أنشأ شركة «فالكون للإنتاج السينمائي» وقدم أول افلامه التاريخية «الرسالة» بميزانية تجاوزت العشرة ملايين دولار أميركي. صحيح أن فيلم «الرسالة» لم يترك تأثيراً كبيراً في السينما العالمية، إلا أن العقاد كان يحلم بتحقيق سلسلة أفلام، وكلها ذات توجه تاريخي لإلقاء الضوء على مفاصل مهمة في التاريخ العربي والإسلامي القديم والحديث.

لقد أدرك العقاد وهو في هوليوود ضرورة تقديم الشخصية العربية إلى «الآخر» من خلال التركيز على ابراز الجانب الحضاري والثقافي للإنسان العربي، وأيضاً عبر إظهار جوانب الظلم والحيف والطغيان وسوء الفهم التي لحقت بالعرب في مرحلة الاستعمار الحديث.

هذه الأفكار تبلورت على نحو أكثر فاعلية في فيلمه الثاني عمر المختار أو «أسد الصحراء». وقد بدأ العقاد بتحضير هذا المشروع منذ أواخر السبعينيات، إلى أن تم انجازه في عام 1981، مقدماً هذه المرة ايضاً نخبة من النجوم الكبار (أنتوني كوين، أوليفر ريد، وايرين باباس، وآخرين)، ويبدو أنه من الصعب نسيان المشهد السينمائي الذي يظهر فيه عمر المختار «أنتوني كوين»، بعد أن قُبض عليه ليتم فيه تنفيذ الإعدام، بينما ترتفع في خلفية المشهد زغاريد النساء الملففات بالبياض، بعد أن دوخ عمر المختار بمقاومته الإيطاليين وأصبح كابوساً يهدد أحلام موسوليني.

ليس جديداً القول، بأن الآلة السينمائية الضخمة في هوليوود، لم تقدم سوى الصورة النمطية المشوهة عن العرب والمسلمين عموماً. لقد حدث هذا منذ بدايات افلامها الصامتة بالأبيض والأسود حتى الآن.

لقد أراد العقاد أن يقدم صورة للعرب متوازنة قدر الامكان، وبغض النظر عن مدى النجاح أو الإخفاق في هذا المسعى فإن محاولته هذه جديرة بالتقدير والتأمل. كان مصطفى العقاد، الفتى الحالم بالسينما، قد وصل الى الولايات المتحدة عام 1954 ولم يكن يملك سوى مئتي دولار ومصحف هدية من أبيه. ومنذ ذلك الحين وعبر السنوات الطويلة، ظل يحلم بتقديم أعمال تعيد الاعتبار إلى الجوانب المشرقة في التاريخ العربي الإسلامي، دون أن يقدم تنازلات، ودون أن ينسى أيضاً المشاكل والأخطاء البنيوية الحقيقية التي تكبل العرب. كان العقاد بعد انتظار طويل، بسبب مشاكل في التمويل على الأغلب، يهيئ بعض مشاريعه، منها فيلم يتناول فيه شخصية صلاح الدين الأيوبي، وفترة الحروب الصليبية. وإذا كان العقاد يعود دائما إلى التاريخ فإنه يريد بذلك أن يزيح جوانب سوء الفهم لإبراز «الجوهر» المشرق لهذا التاريخ. وكنت قد قرأت للعقاد أكثر من لقاء يتحدث فيه عن ضرورة اظهار الطابع القومي وليس «الديني» في الصراع مع الاستعمار الغربي، لأن «الصليبيين حين دخلوا القدس قتلوا المسلمين والمسيحيين واليهود، كما أن المسيحيين العرب حاربوا إلى جانب صلاح الدين، ضد القوى الاستعمارية الغربية». أما مشروع العقاد الآخر فهو فيلم عن الأندلس، وقد أراده موجهاً الى الغرب، وهو مشروع فيلم تاريخي ايضاً يعيد الحديث عن حضارة الأندلس في المجالات العلمية والثقافية المختلفة في الشعر والفنون والعلوم والرياضيات والفلك والكيمياء. وحضارة العيش المشترك، وفي الفترة التي ازدهرت فيها جامعات قرطبة وغرناطة وإشبيلية.

لقد سنحت لي فرصة التعرف عن قرب على مصطفى العقاد في مهرجان السينما الذي أقيم في مسقط، عندما حل ضيفاً على المهرجان، وكنت عضواً في لجنة التحكيم. وكانت أحاديثنا غالباً ما تتطرق إلى الحياة في أميركا، وإلى الأفلام والمشاكل التي يعانيها العرب في الصناعة السينمائية. وكان العقاد يتحدث بروح أخوية وفهم واضح للرسالة التي يمكن أن يحملها الفيلم إلى «الآخر».

بموت العقاد يكون الرعيل الذي عاش في الولايات المتحدة، والذي حاول أن يقدم صورة ايجابية عن العرب، كلٌ حسب مجاله ووفق منظوره، في طريقه إلى الزوال (ابو لغد، شرابي، سعيد).

تُرى ما الذي استفادته تلك اليد الغادرة التي قتلت حلم مصطفى العقاد؟!