لا أعلم إن كان ما شاهدته مجرد كابوس مضى في حاله، أو ربما هو رؤية مستقبلية لما ينتظرنا، صحوت «خير اللهم اجعله خير»، على صياح صوت نسائي أعرفه جيداً صدر من صالة المنزل في الدور الأرضي، لاحظت وأنا أنهض تطاول لحيتي بشكل غير مسبوق حتى كادت تلامس الأرض لفرط طولها، الصراخ يتزايد «تعال يا بوناصر الحقنا»... وأمام هذا الإلحاح المستعر لم أجد أسرع من «الشعبطة» على سور السلم، رغم مخاطرها على الخصوبة، والنزول متزحلقاً من الدور الثاني حتى الصالة.

Ad

المرأة الزاعقة وجدتها منقبة وبجانبها تقف طفلة منقبة أيضاً، متوارية بسواد أمها وتقلدها في صياحها، باب البيت كان مفتوحاً على مصراعيه، وطابور من الرجال المتجهمين يدلفون بحرية وكأنهم أصحاب المنزل، كانوا جمعين، جمع توجه إلى المكتبة يساراً، والثاني إلى غرفة المعيشة يميناً، حيث يتوسطها تلفزيون طويل عريض، وبين الجمعين شاهدت طيف الفنان المرحوم ماجد سلطان بلباس لجنة التثمين في مسلسل «درب الزلق» ومعه عوني مسؤول قياس المساحة.

وقفت حائراً بين المنقبة التي تزعم أنها زوجتي، والمجهولون الذين اقتحموا منزلي عنوة، ثم تحركت سريعاً للسيطرة على الموقف، أمرت المنقبة بالذهاب لغرفتها، وتوجهت إلى جمع المكتبة الذي كان من فصيلة «هزار»، وهو أحد أبطال «طاش ما طاش»، يتقدمهم موظف يدعى هايف، سألته زاجراً: بأي حق تدخلون بيوت الناس؟ فرد عليّ بهدوء الواثق: خذ واقرأ هذا القرار، لقد أبرمت وزارة الإعلام مع «لجنة الظواهر السلبية» اتفاقاً يخوِّل للجنة صلاحيات التفتيش والضبط والمصادرة للكتب التي تراها ضارة بأخلاق المجتمع والنشء، دون إذن أو إخطار.

أحد الهزارات كان يجمع الكتب بفرح غامر ويضعها فوق كرشه، ولأني عرفت أين يتجه هواه دسست له كتاباً لزكريا أوزون، فشهق وسقط مغشياً عليه، وعندما هبّ زميله لانتشاله أطلعته على نفس الكتاب فشهق هو الآخر وسقط مغشياً عليه، وهكذا تساقط جمع هايف الواحد تلو الآخر فيا لضعفهم.

الجمع الثاني كان من فصيلة «أسعد عمر قلي»، وهو أيضاً من أبطال «طاش ما طاش»، يتقدمهم موظف اسمه «جمعان» وكانوا تخصص تلفزيون، كان جمعان ممسكاً بجهاز التحكم ويقلِّب بقنوات الكويت، البرنامج الأول يعرض تلاوة للقرآن الكريم، البرنامج الثاني يعرض ترجمة للقرآن الكريم، القناة الثالثة تعرض مسابقة للرماية وركوب الخيل، ثم قلب جمعان على قناة خاصة يردد فيها شخص ملتح عبارة «تباً لكم... تباً لكم».

سألت جمعان نفس السؤال ورد عليّ بنفس الجواب، ثم قام بخلع تمديدات التلفزيون وحمله عنه بقية جيش المرابطين، وقبل أن يغادر جمعان بيته أو بيتي لا فرق قال لي مهددا: لا تكررها، لقد خالفت القانون بشراء تلفزيون ملون والغرامة هي المصادرة، وانتظر زيارتنا القادمة التي قد تكون بالليل وهمَّ خارجاً.

شعرت بدوار شديد وعجز كامل عن الحركة وأنا أشاهد الغرباء وهم يعبثون ببيتي ومملكتي ومساحتي الحرة، وينهبون ما يرونه مخالفاً ببركة ومساندة حكومتنا الإصلاحية ومجلسنا المحافظ، وبينما على هذه الحالة وقعت عيناي على جريدة أراها للمرة الأولى اسمها «الرؤية السلفية» مانشيتها الرئيس هو «الخرافي: المجلس معلق حتى تحضر الحكومة... والشعبي قرر التخييم داخل قبة عبدالله السالم»، و»كتلة العمل الوطني تبرر خطوة الحكومة بانشغالها بتنفيذ خطة التنمية»، و»محمد هايف يعلن مواصلة أعمال لجنة الظواهر السلبية».

أما الأخبار الفرعية فكانت: «افتتاح استاد جابر في 2030»، و»مؤشر البورصة... سقوط حر»، و»العجيري: سنرى الثلوج قريباً في الكويت»، و»الأشغال: استمرار أعمال الصيانة في محطة مشرف»، و»تأسيس قوى 18-18 برئاسة عباس الشعبي»، و»فتوى للأوقاف تبيح إهدار دم لاعبات كرة القدم».

دوار الرأس تحول إلى صداع قوي وسقطت الصحيفة من يدي وسقطت معها، وما هي إلا لحظات حتى أفقت، لقد كان كابوساً مزعجاً والذنب ذنبي لأني «تعشيت» من كباب الحجة، وأكثرت اللحم وزدت اللبن، حتى تلقيت هذه النتيجة... رؤية مستقبلية لكويت الغد التي تحكم فيها «لجنة الظواهر السلبية» حياتنا الخاصة والعامة.

***

تصلني بشكل متلاحق أخبار تحركات مجموعة من البدون خارج الكويت، وتحديداً في لندن، بهدف تدويل هذه القضية وإبرازها بصورتها الحقيقية أمام العالم بعد عامين من الحوار بين تلك المجموعة والحكومة الكويتية.

وقد تم اتخاذ مقر لتلك الحملة وناطق رسمي باسمها، كما بدأت بفتح باب التبرعات، ونظراً لكوني داعماً للحقوق كافة الإنسانية والمدنية للبدون في الكويت، فإني أناشد كل الناشطين منهم داخل الكويت ضرورة التنسيق والإشراف على الخطاب الإعلامي لأي طرف يدّعي تمثيلهم، حتى لا تختلط الأوراق في هذه المرحلة التي وصلت فيها قضية الحقوق الإنسانية للبدون مرحلة متقدمة داخل مجلس الأمة.

الفقرة الأخيرة: أؤيد وصول المرأة إلى منصب القضاء وسلك النيابة العامة وكفى.