حقاً إن شر البلية ما يضحك، ففي غمرة انهماك زيارة رئيس مجلس النواب العراقي، واجتماعه بمسؤولين في الحكومة ومجلس الأمة، طلع علينا رئيس جمعية أهالي الأسرى والمفقودين، برسالة مفتوحة رديئة الصياغة والمضمون، موجهة إلى معالي رئيس النواب العراقي الشقيق! بادئ ذي بدء نقول لرئيس الجمعية ونسأله: على أي أساس دبَج رسالته "الحلمنتيشية"، من دون الرجوع إلى أهالي المفقودين واستمزاج رأيهم بمبدأ ومضمون الرسالة؟ أم ان فراغ الجمعية من حضور الأهالي حرَّضه على كتابة الرسالة المفتوحة التي تشي بعدم قدرته على الاجتماع بالرئيس أو أحد مساعديه، لينقل إليه مشاعر ذوي المفقودين، الذين تواضعت أحلامهم من انتظار لعودة الأسرى، إلى ترقب مضنٍ للعثور على رفاتهم؟!

Ad

وقد بدت لي الرسالة المفتوحة "المذيلة" (كما وردت بالرسالة) بتوقيع رئيس الجمعية لمجرد تسجيل موقف متعجل (بالمناسبة) لذر الرماد في عيون الأهالي، ولإثبات الحضور وسط الغياب الأزلي، والبيات المؤبد للجمعية إياها. وغيابها وعدم فعاليتها واضح لكل ذي بصر وبصيرة، فتجد أن حضورها يضاهي الحضور الشكلي لبعض جمعيات النفع والصحف والمجلات التي تصدر عدداً يتيما كل ثلاثة أشهر درءا لسحب امتياز الترخيص بالعمل! وكأن الرسالة المفتوحة، بهذا المعنى، مجرد تسجيل موقف لإثبات الحضور، ولذر الرماد في عيون ذوي المفقودين الذين برحهم انتظار عودة رفات أبنائهم وآبائهم وإخوانهم.

* والأنكى من ذلك أن الرسالة المفتوحة لرئيس مجلس النواب العراقي تمحورت حول مسألة لا تعنيه، لاسيما حين تخص الإعلان عن مشاعر تزعم أنها لن تنسى الاحتلال وتبعاته مهما حدث من أفعال وممارسات إيجابية لمصلحة مستقبل العلاقة بين الشعبين الشقيقين. فإن تنسى أو لا تنسى فهذا شأن يعني مَن يؤمن ويتشبث بالحق والباطل. وكأن الإنسان يستطيع بجرّة جملة حماسية عاطفية غير مسؤولة بمقدوره إلغاء الجغرافيا بمعول المزاج الكويتي النزق.

ولأن الرسالة ومدبجيها صيغت على عجالة بدت هذراً يلوك مقولة "لن ننسى" التي بُحت الأصوات باللعلعة بها إبان السنوات الأولى من التحرير، والتلويح بها الآن مجدداً ما هو إلا ردّة إلى مناخ عاطفي قد يكون مهضوماً ومبلوعاً، حين كان الأسرى أحياء، وحين كانت فرصة فك أسر بعضهم واردة، سيما من قبل الناشطين الذين توسلوا الدبلوماسية الشعبية سبيلاً إلى إطلاق سراح كل الأسرى أو جُلهم. لكن هذه قضية أخرى، حري بصحيفة "الجريدة" نشر وثائق مسيرتها، كما فعلت مع "ديوانيات يوم الاثنين"، سيما أن العديد من هؤلاء الناشطين الفاعلين موجودون فيها.

ومن الأمور البدهية أن مسألة "نسيان" محنة الاحتلال لا تتم بالأوامر الفوقية، ولا تحدث عبر الرسائل المفتوحة، بل انها مرهونة بمصالح البلاد والعباد المستقبلية، والنسيان، الذي يزعم رئيس الجمعية أنه لا يحدث ولن يحدث البتة -مهما تحسنت العلاقات بين البلدين، ومن ثم إيجاد حلول للمشكلات الثنائية العالية- تطرف لا معنى له، ويقال للاستهلاك المحلي الذي لم يعد يلائمه هكذا تصريح.

والحق أن الرسالة المفتوحة، تدل على أنه ليس في إمكان جمعية أهالي المفقودين أحسن من عناء صياغة الرسالة المفتوحة، التي لن تعيد رفات مفقود واحد. ولا أعرف كيف تصوَّر القيِّم على الجمعية إمكان حدوث نسيان محنة الاحتلال بجرة قرار فوقي ما أنزل الله به من سلطان. إن البحث عن رفات المفقودين قد يستغرق عقوداً من السنين، حسبنا الإشارة، في هذا السياق، إلى أن البحث عن مفقودي الحربين العالميتين، فضلاً عن مفقودي حرب فيتنام، مازال جارياً، رغم طول المدة، ولا يظن ظان أني بصدد الهجوم على الجمعية لا سمح الله، ذلك أن الضرب في الميت حرام، ومن الحري بنا والأمر كذلك ذكر محاسنه، إن وجدت مثل "محاسن" الصدف التي تكونت بها الجمعية! مع الاعتذار الشديد للست "محاسن" الشغالة التي تعمل لدى جاري بمصر المحروسة.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء