احترم القانون الذي وضعته:
هناك مقولة فرنسية يتداولها رجال الفقه والقضاء الفرنسيون تقول: Soufre la loi que vous faites toiˆmême ومعناها "احترم القانون الذي وضعته بنفسك"، مقولة يكون لها قصب السبق، فيما يدور في ذهني من أفكار كلما هممت في الكتابة عن الدولة القانونية والمشروعية ومبدأ سيادة القانون، وجوهره مبدأ تدرج القواعد القانونية الذي يعني في ما يعنيه أن الدستور هو الأسمى مرتبة من القانون، وأن القانون يعلو مرتبة على القواعد التشريعية التي تصدرها السلطة التنفيذية، بتفويض من المادتين 72 و73 من الدستور، والتي تندرج فيها القواعد التشريعية التي أصدرتها هذه السلطة في صورة لوائح، سكت المشرع الأصيل- وهو مجلس الأمة- عن تنظيمها، ولم تكن من المسائل التي قصر الدستور تنظيمها على المشرع الأصيل.ويبلغ احترام هذا المبدأ مداه، عندما يلزم السلطة التي أصدرت القانون باحترامه، وهو ما عبرت عنه المقولة الفرنسية السابقة، عندما تتصدى هذه السلطة لحالة من الحالات التي لا ينطبق عليها القانون، فتطبقه عليها، أو لحالة ينطبق عليها القانون فلا تطبقه عليها.ويحدث هذا عندما تكون السلطة التنفيذية، التي تطبق القانون، هي التي خولها القانون وضع الضوابط اللازمة لتنفيذه، لأن المشرع لا يستطيع أن يلم بكل الحالات التي تعرض في التطبيق، فيترك لهذه السلطة مساحة من التقدير في وضع هذه الضوابط والقواعد التي لا يستقيم تطبيق القانون من دونها، فإذا انحرفت هذه السلطة عن تطبيق هذه القواعد والضوابط التي وضعتها، فإن مبدأ سيادة القانون، وجوهره مبدأ تدرج القواعد القانونية، يقف لها بالمرصاد ليقول لها "احترمي القانون الذي وضعته بنفسك" لأن أغلب الظن أن الانحراف عن هذه القواعد والضوابط في التطبيق الفردي لها، أن يعبر عن الميل أو الهوى أو الغرض، الذي يجب أن ينأى صاحب القرار بنفسه عنه.اعتصام الوزير بمبدأ سيادة القانون:وقد كان الدكتور هلال الساير وزير الصحة واضحا كل الوضوح في اعتصامه بمبدأ سيادة القانون، وأنه لا يستطيع أن يتجاوز القانون، وأن يتخطى اللجنة المختصة بفحص حالات السفر للعلاج في الخارج، في الحوار الساخن الذي دار بين الوزير والنائب الذي طلب منه توقيع معاملة مريضة للسفر إلى الخارج دون العرض على هذه اللجنة، يوم الأربعاء 23 /6 في استراحة الوزراء الملحقة بقاعة مجلس الأمة، وعلى هامش اجتماع المجلس في هذا اليوم.احترام الوزير لمبدأ المساواة أمام القانونبل كان الوزير في اعتذاره عن توقيع هذه المعاملة يعتصم بمبدأ دستوري آخر هو مبدأ المساواة أمام القانون، الذي كفله الدستور في المادة (29)، لأن في توقيعه على هذه المعاملة إخلالاً بمبدأ المساواة بين هذه المريضة وبين غيرها من المرضى الذين تعرض حالاتهم يوميا على اللجنة المختصة بسفر المواطنين للعلاج في الخارج، وهي لجنة لها من خبرة أعضائها ومؤهلاتهم العلمية وكفاءتهم ما يمكنها من التقييم الصحيح العادل المنصف لحاجة المريض للسفر إلى الخارج وجدواه.ويظل مجلس الأمة رقيبا وحسيبا:وكل ما يملكه مجلس الأمة، هو بسط رقابته البرلمانية على تطبيق هذه القواعد والضوابط، للتحقق من التزام الوزراء بها، فإذا انحرفوا عنها وجبت مؤاخذتهم ومساءلتهم سياسيا، وأنه يجب على الرقابة البرلمانية المنصفة العادلة، أن تنحني إجلالا وتقديرا للدكتور هلال الساير، لالتزامه بأحكام القانون واحترامه لمبدأ المساواة أمامه.ولا يصادر هذا حق المجلس الأصيل في ممارسة دوره التشريعي في وضع ما يراه من قواعد وضوابط للسفر للعلاج في الخارج، أن تكشف له من خلال رقابته الشاملة لأداء السلطة التنفيذية، أن هناك نقصا أو قصورا في القواعد المنظمة لذلك، وأن السلطة التنفيذية لم تستجب للقرارات برغبة التي أصدرها المجلس بتعديل هذه القواعد. مبدأ الفصل بين السلطاتهكذا يكون الأداء البرلماني الرفيع للدور الرقابي والدور التشريعي لمجلس الأمة احتراما لمبدأ الفصل بين السلطات، فنظام الحكم يقوم وفقاً للمادة (50) من الدستور على أساس الفصل بين السلطات مع تعاونها وفقاً لأحكام الدستور، ولا يجوز لأي منها النزول عن كل أو بعض اختصاصاتها المنصوص عليها في الدستور، وقد حدد الدستور لكل سلطة من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية اختصاصها وصلاحياتها.حيث تتولى السلطة التشريعية سن القوانين والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، أما الأخيرة فتتولى تنفيذ القوانين وإعمال أحكامها.ويعتبر سفر المواطنين للعلاج في الخارج على نفقة الدولة، من أعمال التنفيذ التي تمارسها السلطة التنفيذية للقوانين التي سنتها السلطة التشريعية، في ظل الحق الدستوري للمواطن في الرعاية الصحية التي توفرها له الدولة، إعمالاً للمادة (11) من الدستور، وفي إطار من القوانين المنظمة لهذه الرعاية.التدخل في أعمال السلطة التنفيذيةلذلك حرص الدستور، تجسيداً لمبدأ الفصل بين السلطات، في علاقة أعضاء مجلس الأمة بالجهاز الإداري للدولة على النص في الفقرة الثانية من المادة (15) على أنه "لا يجوز لعضو مجلس الأمة أن يتدخل في عمل أي من السلطتين القضائية والتنفيذية".واختيار الدستور للمادة (115) لإيراد هذا الحكم فيها وهي المادة التي تتناول حق الشكوى وتشكيل المجلس للجنة العرائض والشكاوى التي يتقدم بها المواطنون، لم يأت اعتباطاً، بل للتأكيد على حظر هذا التدخل حتى في سباق الشكاوى التي يتلقاها مجلس الأمة من المواطنين، لأن هذه الشكاوى تجد طريقها الشرعي إلى اللجنة التي خصها الدستور بهذه المهمة، لينأى الأعضاء بأنفسهم عن شبهة الوساطة.مراعاة النظام العام والآداب العامة:كما أن ما تناقلته الصحف من عبارة سب وجهه النائب إلى السيد الوزير- وهو نائب أيضا- في هذا الحوار الساخن ينطوي على تجاوز لنص دستوري آخر هو المادة (49) من الدستور التي تنص على "مراعاة النظام العام واحترام الآداب العامة"، والذي اعتبرته "واجبا على جميع سكان الكويت".وهو واجب مضاعف الأثقال بالنسبة إلى كل نائب في ساحة مجلس الأمة الذي من أولى مهامه الأساسية حماية الدستور، وحماية المبادئ والمقومات الأساسية التي يقوم عليها المجتمع الكويتي، والذي امتاز فيه الناس كما تقوم المذكرة التفسيرية للدستور، بروح الأسرة التي تربط بينهم كافة، حكاماً ومحكومين، ولم ينل من هذه الحقيقة ذات الأصالة العربية، ما خلفته القرون المتعاقبة في معظم الدول الأخرى من أوضاع مبتدعة ومراسم شكلية باعدت بين حاكم ومحكوم".
مقالات
ما قل ودل: مناقشة هادئة للحوار الساخن مع وزير الصحة
04-07-2010