نبارك للإخوة الأشقاء في المملكة العربية السعودية اليوم الوطني، ونبارك للزملاء الأكاديميين وأهل العلم والطلبة افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم التقنية التي ستضيف إلى السجل التعليمي إنجازاً باهراً، نظراً لمتانة التخصصات العلمية الجديدة التي احتضنها هذا الصرح الجامعي وفق معايير عالمية حديثة.

Ad

ومن باب المقارنة العابرة، فإن فكرة جامعة الملك عبدالله جاءت بمبادرة حكومية وإيعاز مباشر من خادم الحرمين قبل ثلاثة سنوات فقط، لتترجم إلى واقع حي على مساحة 36 مليون متر مربع من الأرض بمبانيها وأساتذتها وطلبتها ومناهجها في فترة زمنية استغرقت ألف يوم فقط، وهذا إنجاز قائم بذاته، علماً أن هناك العشرات من الجامعات السعودية الشاملة والتخصصية في أنحاء المملكة المختلفة.

أما عندنا في الكويت فإن حلم بناء جامعتنا اليتيمة يترنح منذ عام 1966، والحكومة على امتداد دوراتها التاريخية لم تكتف فقط بإلغاء فكرة المدينة الجامعية من عقليتها الثقافية وأجندتها الوطنية والتنموية، بل ظلت تحارب حتى المطالبة بها من قبل جمعية أعضاء هيئة التدريس في الجامعة على مر العقود الماضية، وتقبر الاقتراحات بقوانين في هذا الشأن، والمقدمة من قبل أعضاء مجلس الأمة حتى عام 2004 عندما أقر البرلمان هذا القانون، حيث طالبت الحكومة في مقابل تمريره مد سنوات تنفيذه من خمس إلى عشر سنوات، ورغم ذلك فإنه بعد انقضاء نصف هذه المدة لاتزال أرض الشدادية مجرد صحراء قاحلة.

وليت المسرحية الهزلية انتهت عند هذا الحد، فالمشروع الذي أقر له مليار دينار كويتي تبين وبقدرة قادر أنه لا يمكن تنفيذه بهذا المبلغ، ويحتاج إلى ضعفه وبحاجة إلى خمسة أخرى، واليوم تطالب إدارة الجامعة بمبلغ مليار وثلاثمئة مليون دولار إضافية بحجة تطبيق شروط منع الاختلاط، وللعلم، فإن الجامعة السعودية الجديدة التي تم بناؤها في عز غلاء الأسعار لم تكلف نصف المبلغ المقترح لحد الآن لجامعة الكويت!

وخلال السنوات الخمس الماضية، وبدلاً من مشاهدة الشركات المنفذة في الموقع، ورؤية الهياكل الخرسانية تنمو شهراً بعد شهر لم نسمع سوى مقولة هل من مزيد من الأموال؟ ولم نشم سوى روائح الشبهات المالية، وقصص التنفيع للمكاتب الاستشارية وشركات المقاولات المحددة بالاسم، وعلامات الارتباط بين بعضها وبعض القياديين في الجامعة من المشرفين على بناء هذا الصرح المنتظر!

وخلال السنوات الخمس الماضية تبدلت المواقع والمسميات القيادية المكلفة بمتابعة سير العمل في حرم الشدادية مرات عدة في أجواء دراماتيكية عجيبة وغريبة لم تخلُ من علامات الاستفهام الفنية والإدارية والمالية! وخلال السنوات الماضية تم إيفاد المئات من أساتذة الجامعة إلى جامعات العالم المختلفة لأخذ الأفكار والاقتراحات للاستفادة منها في التصاميم الجديدة دون أن يكون هناك أي خطوات جديدة على الأرض!

وأمام هذه المهزلة وسياسة اللف والدوران وتبديد الأموال وتأخر أهم صرح تنموي في البلد خلال هذه المدة، لم يبدأ المشروع التنفيذي للجامعة بعد، فالله وحده العالم بحجم البلاوي المتوقعة ومقدار الهدر المرتقب في الأموال العامة، وضياع سنوات عمر طلبتنا وأساتذتنا في شتات المباني المؤقتة بين الشويخ والخالدية والعديلية وكيفان والجابرية وحولي!

ولا يتصور المقصرون والمهملون في جامعة الكويت أن شماعة التأزيم والتصعيد السياسي ستستمر في توفير اللحاف السميك لهم وحمايتهم من المساءلة والمحاسبة، فملف تجاوزات ومشاكل الشدادية المتورم وكثير من تفاصيله قد تم إبلاغ سمو رئيس مجلس الوزراء بها، كما أن السيدة وزيرة التربية والتعليم العالي لديها ما يكفي من المؤشرات لإعادة فتح هذا الملف على مصراعيه وتحريك أدواتها في معالجته على وجه السرعة، ولعل الأفضل على الإطلاق بعد الفشل الذريع والمستمر لإدارة الجامعة في حسن تدبير هذا المشروع الحيوي هو إبعادها تماماً واستبدالها بجهة محايدة أكثر فهماً في أصول التصميم والإشراف والتنفيذ المعماري، خصوصاً أننا لانزال في منتصف الطريق، وأتمنى من الوزيرة الأكاديمية أن تستفيد من تجرية جامعة الملك عبدالله وغيرها لتحقيق حلم كويتي قبل أن تتحول جامعة الكويت إلى مجرد مشمش.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء