جزيرة فيلكا هي العمق التاريخي للكويت، حيث تعود حضارتها إلى أكثر من ألفي سنة قبل الميلاد، وبفضلها دخلنا عالم الآثار والحضارات القديمة، كما للجزيرة موقع استراتيجي في غاية الأهمية اقتصادياً وسياسياً، ومع ذلك فإن حديثي عن الجزيرة سيركز على بعد آخر يعكس حالة التخلف والإهمال في الكثير من مؤسسات اتخاذ القرار!

Ad

فجزيرة فيلكا ببساطة جزء من كيان دولة الكويت وبضعة من ترابها وسيادتها، ومازال يقطنها بعض المواطنين وموظفي الدولة والعاملين في القطاع الخاص، إلا أن هذه البقعة التي كنا نتغنى بها "كأحلى الجزر" قد تحولت إلى ركام من كل ما هو سيئ وقبيح، بل خطير، فالجزيرة لم تعد تخضع للقانون الكويتي، وتفشت فيها ظواهر لا يمكن القبول بها، خصوصاً فيما يتعلق بالجانب الأمني.

ومن خلال جولة ميدانية في أرجاء هذه الجزيرة الجميلة بموقعها وهوائها النقي وهدوئها الخلاب تعشعش في ذاكرتك صورة الحياة البائسة، حيث الدمار والمباني المهجورة وأنواع الملوثات البيئية ووحشية الليل الدامس، وتتفجر عروق الدم في جسمك غضباً عندما ترى أن هذا المكان الآمن قد تبدل إلى مرتع للفساد الأخلاقي وممارسات الرذيلة ومأوى للمتغيبين من الأحداث القصر "أولادا وبنات" من الكويتيين، وملجأ للمطلوبين إلى العدالة من الوافدين، وبؤرة خطيرة للتسلل غير المشروع، ووكر للمخدرات والسموم القاتلة، ومحطة رئيسة لكل أشكال التعدي على الأملاك العامة، ومهما زاد الوصف فإنه لا يمكن أن يصل بالصورة الحقيقية إلى الأذهان، ولابد من زيارة الجزيرة والاستماع إلى شجون وهموم بعض الشباب القائمين على إدارة الجزء اليسير من شؤونها، خصوصاً رجال الأمن والإطفاء الذين يعانون الأمرّين ولا يجدون الآذان الصاغية، ناهيك عن القرارات المسؤولة.

فهل يمكن أن تقبل وزارة الداخلية أن تكون هذه الجزيرة نقطة عبور رئيسة، ولعلها أحد المنافذ البحرية المهمة، دون رقابة وحراسة ساحلية، ولا يملك رجال الأمن فيها أي أجهزة كمبيوتر لتدقيق المعلومات والتعرف على الهويات الشخصية، وبلا مركبات تناسب طبيعة المنطقة وطرقها الطينية الوعرة، ووسط المئات من المباني والبيوت المهجورة، وبلا عدة من السلاح أو القوة البشرية الكافية، وحتى من دون وسيلة نقل للضباط والأفراد من مقر عملهم وإليه؟

وهل تقبل الإدارة العامة للإطفاء أن يبيت منتسبوها وسط المواد السامة في غرف غير مجهزة وغير آمنة للسكن الآدمي على الإطلاق؟ وهل تقبل وزارة الكهرباء والماء أن تُسرق كابلات الكهرباء من المساجد والمباني الحكومية للاستخدام الشخصي والمشبوه؟

وهل تقبل الهيئة العامة للبيئة أن تتحول شواطئ الجزيرة إلى كومة من الملوثات؟ بل هل يقبل مجلس الوزراء كمؤسسة دستورية وسلطة تنفيذية مؤتمنة على إدارة السياسة العامة للدولة أن تنسلخ تلك البقعة من دولة الكويت عن مسؤوليتها وبهذا الشكل المزري؟!

ولهذا، فإننا نطالب بزيارة ميدانية لكل من وزير الداخلية ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء ووزير الكهرباء ومدير الهيئة العامة للبيئة لهذه الجزيرة المنكوبة على وجه السرعة، أسوة بما فعله الوزير فاضل صفر، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وفي الوقت نفسه سندعو إلى ترتيب زيارة موازية لنواب الدائرة الأولى تحديداً لقضاء ليلة موحشة في رحاب "أحلى الجزر" للتعرف عليها عن كثب، ومن ثم التحرك من أجل محو صورة "أقبح الجزر" عنها!