لو حاولنا تقييم الفترة التي حكم فيها الشيخ عبدالله السالم، فإنه من الخطأ التركيز فقط على شخصه ومواصفاته وقدراته، فالتطور لا يمكن أن يحدث فقط بقرار من عبدالله السالم، وبالذات بمواصفاته الشخصية، فهو أولاً كان كثير السفر، وهي نقطة مهمة في التأثير على الأحداث، ثانياً لم يكن شخصية مركزية على الإطلاق، بل وجدنا، ولأول مرة في تاريخ الحكم بروز قيادات شابة من الأسرة، تبوأت مراكز ومناصب تنفيذية، والتي لم يكن لها أي دور في السابق. ونذكر، على سبيل المثال لا الحصر، الشيوخ جابر الأحمد وجابر العلي وخالد العبدالله وسعد العبدالله ومبارك العبدالله الجابر رحمهم الله جميعاً، وكذلك سمو أميرنا الحالي الشيخ صباح الأحمد والشيخ مبارك عبدالله الأحمد والشيخ سالم العلي أطال الله أعمارهم جميعاً. ولعل دور الشباب وإفساح المجال أمامهم للممارسة والتدريب السياسي كان نمطاً جديداً على الساحة السياسية، خاصة أنهم كانوا يؤدون وبدعم غير محدود من عبدالله السالم مهمات تنفيذية مباشرة، وإذا أخذنا الشيخ جابر الأحمد مثلاً فقد كان يتولى التعامل مع شركات النفط، وكان يدير منطقة الأحمدي النفطية، وتشير الوثائق البريطانية إلى الدرجة العالية من حرية التصرف التي كان يمنحها عبدالله السالم لجابر الأحمد، وهي مسألة لم تكن معتادة قبل قدوم عبدالله السالم. بالطبع قد يقول قائل إن الدولة لم يكن لديها الكثير من المهمات، ولكن المسألة تتعلق بأسلوب ونمط حكم. فقد أتاح هذا الأسلوب المرن واللامركزي إمكانية تعلم شباب الأسرة الكثير من مهارات العملية السياسية، وكان الأهم من ذلك هو أنهم -أو أغلبهم- قد عاشوا وتعلموا خلال الفترة الانتقالية من حقبة الحكم المطلق العشائري إلى الحكم الدستوري.

Ad

ويبدو أن محاولة إشراك الشيوخ الشباب في العملية السياسية كان لها غرض آخر، وهو مسألة تحييد مراكز القوى «الشيوخية» التقليدية، إن جاز التعبير، والتي كانت متمثلة بشكل أساسي في الشيخ عبدالله المبارك والشيخ فهد السالم رحمهما الله وخلافاتهما المشهورة، التي أرهقت عبدالله السالم وأتعبته ودفعته إلى التفكير جدياً في الاستقالة، ولنا لاستقالته عودة فقد كانت حدثاً غير عادي، ولابد من تسليط الضوء عليها لكي نفهم طبيعة المرحلة ومحدداتها. ولم يكن أدلَّ على ذلك من تشكيل اللجنة التنفيذية العليا سنة 1954، وإدخاله في عضويتها ثلاثة من الشيوخ الشباب، وطلب عبدالله السالم من اللجنة القيام بالتفتيش على الدوائر الحكومية، إلا أن الهدف كان بشكل أساسي التفتيش على دائرة الأمن العام، التي كان يرأسها حينئذ عبدالله المبارك. وقد تعرضوا لإساءة بالغة من عبدالله المبارك لمجرد محاولتهم تلك، ولم يُسمح لهم بالقيام بمهمتهم. إلا أنه اتضح في ما بعد أن الطموح السياسي لكتلة الشباب قد فعلت فعلها التراكمي بأشكال مختلفة، ويكفي أن نعرف أن الاستقلال قد تم في ساعةٍ لم يكن فيها حول عبدالله السالم إلا الشباب من الشيوخ، أما الكبار فقد توفى اللهُ مَن توفاه، ورحل مَن رحل وانزوى مَن انزوى.

عندما اتخذ عبدالله السالم قراره التاريخي بدعم وتأييد التوجه نحو الحكم الدستوري كان وحيداً من حيث العمر والفعل السياسي، فكبار الفاعلين السياسيين قد اختفوا من الساحة السياسية، مع اختلاف أسباب ذلك الاختفاء، أما الشباب فلم يكن بمقدورهم إلا السمع والطاعة حتى وإن كان ذلك السمع وتلك الطاعة على مضض، وكان ذلك ما أثبتته الأيام.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة