اليوم نعيش حركة منظمة لتهويد القدس عبر استمرار هدم منازل المقدسيين وتشريدهم وسط صمت عربي مطبق «أو بالأحرى تواطؤ» مع إصرار على المضي في ما يسمى بمسار المفاوضات السلمي الذي فشل خلال العشرين سنة الماضية. 

Ad

 

في بداية الحرب الإرهابية الصهيونية على لبنان في 2006 قالت حكومة أولمرت إن هناك دولا عربية تقف معها ضد «حزب الله»، وتكررت نفس المقولة في أواخر 2008 مع بداية الهجمة الإرهابية الأخرى على غزة مع حلول «حماس» محل «حزب الله». حينذاك قال مندوب أولمرت في المفاوضات غير المباشرة في مصر بأن الأخيرة «تعتبر حماس عدوا يهدد استقرار نظامها»، كما قالت وزيرة الخارجية آنذاك تسيبي ليفني إن «مصر تتفاوض ضد حماس». كما هدد بعض المسؤولين الصهاينة بكشف فضائح محمود عباس في حال تجاوزه بعض الخطوط الحمراء. 

 

اللافت في هذه التصريحات أن بعض الأطراف العربية بركوبها قطار الاستسلام قد اتخذت مواقف غير شعبية إطلاقا، ومن الواضح جدا أن تعاون هذه الأطراف وتآمرها مع الصهاينة ضد قوى المقاومة العربية يصب في مصلحة إسرائيل لا المصالح العربية، وهو ما يتطلب أن يبقى هذا التآمر في الخفاء لأن ظهوره للعلن من شأنه أن يزيد من سخط الشعوب العربية والإسلامية على هذه الأطراف والأنظمة ويهدد كيانها المستقبلي. 

 

لكن ما رأيناه هو العكس تماما، حيث لم يجد المسؤولون الصهاينة أي مشكلة في التصريح عما يدور في الخفاء مع أن ذلك يضر ويفضح هذه الأطراف التي تسدي خدمة كبيرة لإسرائيل. 

 

باعتقادي أن هذا التصرفات لم تأت من فراغ لأنها انعكاس للعقلية الصهيونية القائمة على مبدأ «الأخذ بدون مقابل»، فهي تعتقد أن من حقها الحصول على جميع الخدمات من أي طرف كان من دون أن تكون ملزمة بأي شيء في المقابل، ولذلك قال نتنياهو قبل أكثر من 10 سنوات عندما كان رئيسا للوزراء بأن إسرائيل هي الدولة العظمى الحقيقية الوحيدة في العالم لأن باستطاعتها فعل ما تشاء من دون أي مساءلة. 

 

ولذلك فشلت تجربة أوسلو فشلا ذريعا على الأرض لأن الصهاينة وبكل بساطة معتادون على الأخذ وليس العطاء، مع أن كل ما لديهم مغتصب من أصحابه الحقيقيين، وهم يدركون أن باستطاعتهم فعل ما يشاؤون دون حسيب أو رقيب. خذ على سبيل المثال الإعلان عن بناء 1600 منزل جديد في مستوطنات القدس الشرقية أثناء زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن لفلسطين المحتلة، وبالرغم من تلقي بايدن لهذه الصفعة القوية فإنه قال في نفس الزيارة إنه كان يتمنى أن يكون يهوديا حتى يصبح صهيونيا! وبالرغم من الإحراج الذي تعرض له نتنياهو نتيجة هذا الإعلان فقد ذهب قبل 3 أيام إلى عقر دار أميركا ليقول وبكل صلافة إن «القدس ليست مستوطنة... إنها عاصمتنا». ويحق له أن يقول كذلك لأنه يدرك أن الساسة الأميركيين ليسوا في النهاية سوى عبيد للمال والإعلام الصهيونيين الداعمين لهم في الانتخابات. 

 

وغزة محاصرة منذ أكثر من ثلاث سنوات بينما لا يجد أمين عام الأمم المتحدة «بان كي مون» سوى زيارة القطاع بين مدة وأخرى ليقول إن الحصار غير مفيد وغير مقبول، ولسان حال أهالي القطاع هو «وين نصرف هالكلام»، واليوم نعيش حركة منظمة لتهويد القدس عبر استمرار هدم منازل المقدسيين وتشريدهم وسط صمت عربي مطبق «أو بالأحرى تواطؤ» مع إصرار على المضي في ما يسمى بمسار المفاوضات السلمي الذي فشل خلال العشرين سنة الماضية، وسيفشل مستقبلا لأنه قائم على اختلال كبير في موازين القوى بعد أن تجرد العرب من أسلحتهم الاستراتيجية والحربية، ولم يبق لهم حتى ورقة واحدة ليفاوضوا بها. 

 

بعد كل هذا، ألم يحن وقت الغضب؟ ألم يحن وقت الانتفاضة الكبرى؟ ألم يحن وقت التخلص من الأنظمة المتخاذلة؟ أم سنستمر بهذا الضعف والهوان ليستمر مسلسل القتل والأسر والاستضعاف؟