مؤمن أن الإبداع ليس في حاجة إلى تزكية من أحد، وليس في حاجة إلى شهادة «حسن سيرة وسلوك» من أي كان، ولا شهادة صحية تثبت خُلوّه من الأمراض المعدية، الإبداع لا يحتاج إلى وصاية، ومغرورٌ من يجلس على كرسيه متكئا على ذائقته، ماسكا ختمه بيده، منتظرا مرور المبدعين حاملين نتاجهم ليختمه بعبارة «صالح للاستعمال الآدمي»!

Ad

هؤلاء الذين يجلسون على عروشهم الكرتونية، واضعين العمائم الكبيرة والمزيّنة بريشة طاووس يظنون أن أنفاس الشعر محبوسة بانتظار أن يتكرموا بنطق الحكم، إما بالبراءة أو الإعدام!

هؤلاء مساكين... شربهم الوهم حتى لم يبق من عقولهم شيئا،

هناك نوعية من الشعراء يثيرون في قلبي الشفقة أحيانا كثيرة، يظنون أنهم يملكون صلاحية ختم الجودة على كل نتاج يتعلق بالشعر العامي، فأي نتاج لا يُكرّم بختمهم الكريم هذا، غير صالح للتداول، وليس جديرا بأن ينسب إلى مملكتهم... والتي حدودها كل الشعر! فهذه المملكة محمية خاصة لهم، ساهرين على منعتها، وعدم تسلل أي «غريب» إلى مرابعها!

هؤلاء يؤمنون إيمانا بأنهم الموكولون من قبل الله ببقاء فضاء الشعر خاليا إلا من الخفافيش والطيور التي تبارك سلطتهم! ولقيامهم بالمهمة الموكولون بها، تراهم على الأرض بلا أجنحة، ويلاحقون بعصيهم الهرئة أسراب الفراش والنوارس، وبياض اليمامات، وعلوّ الغيم لأنها فقط ليست من الخفافيش!

لا يعلمون أن فضاء الشعر... الفضاء الوحيد الذي كل من طار به... فهو آمن!

فضاء الحياة نفسه ليس آمنا بقدر فضاء الشعر، ففي الأول قد يقتل الخفاش... الكناري، قد يمزق صوته القزحي أشلاء، لكن ذلك يستحيل في فضاء الشعر!

الشعر يعني الحرية، يعني أن أي لون زائد في صفحة الفضاء لا يعني تزاحم الألون وإنما يعني اتساعا في مساحة السبّورة! دائما هناك مكان للـ(غير)! لا يضيق المكان بمن رحبوا أبدا... ولا يسوء!

فضاء الشعر لذلك... آمن!

لذلك من المضحك أن ترى بعض الخفافيش في فضاء الشعر... تمارس النباح!

أو أن الذئاب على الأرض... تحاول اصطياد فراشة!

من الممكن أن ترى في هذا الموقف منظرا كونيا كاريكاتيريا...

هذا بالضبط ما يمارسه البعض في عالم الشعر.

يظنون أنهم قادرون على قتل الغيم، وأنهم حارسو بوابات النهار، وحجاب نوافذ الغد، عن طريق منح التأشيرات اللازمة، واستلام الجباية ممن أراد المرور من الشعراء!

الشعر فقط من يملك هذه الميزة العظيمة... لا متسوّليه، الشعر فقط... يملك هذة الكرامة السماوية، فيهب من يشأ نعمة الخلود في نعيم جناته الشهية بأنهارها، وطبيعتها الخلابة أو أن يجازي من يشاء بالعقاب برميه في سعير ناره منسيّا بها لا يموت ولا يحيا!

القصيدة فقط تحدد ما يناسب هامتها من كريم الحجر، وهي فقط من يحدد ما يناسب جسدها الغض من حرير، ومن يحدد ما يناسب غدائر شعرها من شرائط، وما يناسب أنفاسها من عطور!

بعد، يأتي أحدهم ليسلب بكل وقاحة كل هذه الهبات من الشعر، ويستولي عليها، وينصّب نفسه المتحدث الرسمي الوحيد باسمه، ويمارس سلطته نيابة عنه!

هل هذه مهزلة بلغت حدّ الوقاحة؟!

أو وقاحة تورّم وجهها حتى بدا وجهها... مضحكا؟!