بحسب الرأي القانوني، من أطراف عديدة مختلفة التوجهات، فإن الإجراءات التي يمر بها حالياً الكاتب محمد الجاسم غير سليمة، ناهيك عن كونها متعسفة، وأن التهم الموجهة إليه لن تصمد أمام القضاء، وسيحصل على البراءة دون أدنى شك، وبحسب ما قاله مَن يتصلون بلجان ومؤسسات حقوق الإنسان الدولية، فإن الأمر قد بلغ حدوداً محرجة للكويت وجارحة لسمعتها، وبحسب ما رأيناه بأعيننا فإن التعاطف الشعبي مع الجاسم في تزايد مستمر، وبالأمس، وفي تظاهرة «الحرية للجاسم» التي جرت في ساحة الإرادة، تحدث عمر، الابن البكر، للجاسم مسانداً أباه هو ومعه كل أسرته التي حضرت التظاهرة، وهناك في الحبس حيث يوجد محمد الجاسم تصل الأخبار تباعاً بأنه صامد، يتزايد عزمه وهو يتابع هذا الدعم وهذه الأحداث المقبلة نحوه والجارية لمصلحته.

Ad

إذن، فحسابات من راهنوا على كسر قلم ولجم لسان الجاسم بهذه الطريقة، وعبر هذا الأسلوب قد أثبتت فشلها وبالدليل القاطع والبرهان الناصع، بل أكثر من ذلك، لعلها قد هبت الرياح عكس ما كانت تهوى أنفسهم وتبتغي خططهم تماماً، فبالأمس وفي ساحة الإرادة اجتمعت الأطياف السياسية المختلفة، وتظاهر السُنّي والشيعي والبدوي والحضري والإسلامي والليبرالي، جنباً إلى جنب في خندق واحد وقوفاً مع حق الجاسم في التعبير عن آرائه، بل رأينا بعض من كانوا على خصومة مع الجاسم يتسامون فوق خصوماتهم التاريخية، ويحضرون لمناصرته في محنته.

كما أن الأمر الأهم من هذا، هو أن تظاهرة الأمس قد تحولت من الاقتصار على مناصرة الجاسم، إلى ما هو أبعد، حيث وصلت إلى التأكيد وبهدير غاضب وبصوت عال رفض هذا الشعب لأي محاولة للنيل من كرامته التي يستقيها من الدستور الذي كفل الحريات، والتأكيد على أن الأمة هي مصدر السلطات، وأنها الرقيب الأساس على عمل كل السلطات التي تعمل جميعا لخدمتها، لا العكس، وأن أي تعسف أو خروج لهذه السلطات عن دورها المحدد دستورياً وقانونياً سيواجه وبشدة، سواء من خلال البرلمان أو من خلال الفعاليات الشعبية.

تظاهرة الأمس قد أعادت توحيد الناس ولملمة صفوفهم، كما فعلت بالضبط تظاهرات «نبيها خمس» الشهيرة، التي أجبرت الحكومة على الانصياع لما يريده الناس، وذكَّرت كذلك بتظاهرات ديوانيات الاثنين الشهيرة، وأعادت إلى كثير من الشخصيات السياسية، التي قد يكون البعض قد ظن أنها غابت عن الساحة أو ابتعدت أو ربما طواها النسيان، ببريقها ورمزيتها، وضاعفت من المكانة والمهابة الرمزية لقيادات سياسية حالياً أضعافاً مضاعفة، وقبل ذلك كله جعلت من محمد الجاسم، وهو الحبيس في الأغلال، بطلاً ورمزاً في عيون كثير من الناس، كان كثير منهم يختلفون معه.

لا أعرف كيف يمكن أن يكون قد خطط خصوم الجاسم لضربه بهذه الطريقة دون أن يحسبوا حساباً ولا أن يضعوا احتمالاً، ولو بسيطاً، لأي شيء من هذا الغليان الذي يجري الآن وهذا الجريان في الاتجاه المعاكس تماماً، وأعجز عن تخيل طبيعة تلك المشورة الرديئة التي قادت صاحب قرار رفع الدعوى إلى هذا المسار الخاطئ جملة وتفصيلاً!

أملي أن يتم إصلاح الأمر، وأن يطلق سراح الرجل اليوم قبل الغد، فلا داعي للمكابرة والإصرار على الخطأ، فالحسبة خاسرة، خاسرة، خاسرة، جملة وتفصيلاً.