مما لا شك فيه أن السياسة المالية الحالية التي تتبناها الحكومة، والتي تقوم بموجبها بإقرار المزايا والعطايا والبدلات والكوادر، خصوصا غير المرتبطة منها بطبيعة العمل ومستوى الإنتاجية، تعتبر سياسة خاطئة، بل إنها سياسة مضرة بالاقتصاد الوطني ستؤدي حتما إلى نتائج غير إيجابية مثل زيادة البطالة المقنعة، وزيادة نسبة التضخم، وخلق أنماط سلوكية ضارة مثل سلبية النظرة الاجتماعية للعمل والوظيفة العامة، ناهيك عما يترتب على هذه السياسة المضرة من استنزاف سريع للمال العام، من دون أي مبرر لما قد يؤدي إلى نهاية مشابهة للوضع المأساوي الحالي في اليونان.

Ad

أضف إلى ذلك أن المطالبات البرلمانية بإسقاط القروض أو فوائدها بالشكل الذي يطرحه بعض الأعضاء يعتبر أيضا سياسة خاطئة ستؤدي ضمن أمور أخرى إلى استنزاف المال العام من دون مبرر، مما سيعود بالضرر على المواطنين كافة لاسيما أصحاب الدخول المتوسطة والدنيا، الذين لا يملكون سوى رواتبهم الشهرية التي من المحتمل جدا، إذا ما استمرت السياسة المالية الحكومية على ما هي عليه الآن، أن تعجز الحكومة عن دفعها أو تضطر على الأقل إلى تخفيضها، خصوصا إذا ما انخفضت أسعار النفط أو تم العثور على مصادر بديلة للطاقة، وهو الأمر الذي من المرجح جدا حدوثه في أي وقت.

كل ما ذكر آنفا يعتبر استنزافا للمال العام يجب التصدي له وتوعية الناس إلى مخاطره على حاضر ومستقبل البلد، وهو ما سبق أن تطرقنا إليه أكثر من مرة في هذه الزاوية، ولكن وفي المقابل فإنه من الضروري والواجب أيضا ألا يتم التركيز فقط وبصورة انتقائية على هذا الشكل من أشكال استنزاف المال العام، والذي له علاقة مباشرة وآنية بأصحاب الدخول المتوسطة والدنيا على اعتبار أن ذلك هو الشكل الوحيد لاستنزاف المال العام، مع إهمال أشكال الاستنزاف الأخرى التي يتعرض لها المال العام، خصوصا عندما يتعلق الأمر بما يقوم به أصحاب الدخول المرتفعة جدا، لأنه من المفترض أن تكون المطالبة بوقف استنزاف المال العام بأشكاله وطرقه المتعددة مطالبة شاملة لا تتجزأ، ولا تقبل الكيل بمكيالين، فإنه من غير الجائز الحديث فقط عن جزء بسيط من هدر المال العام وإهمال الأجزاء الأخرى التي قد تكون أشد ضررا على الميزانية العامة للدولة، ناهيك عن أضرارها الأخرى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

لهذا فإن من المستغرب أن يكثر البعض الحديث عن ضرورة وقف عملية استنزاف المال العام المترتبة على إسقاط القروض أو فوائدها، ومنح البدلات والكوادر الضخمة، لكنهم، ويا للعجب، يلوذون بالصمت المريب عندما يتعلق الأمر بالصفقات المليارية الضخمة رغم علامات الاستفهام الكثيرة التي تحوم حولها وما قد تمثله من عملية استنزاف منظم للمال العام، مثل مناقصة مدرج المطار التي تبلغ قيمتها 140 مليون دينار، وهو مبلغ يبدو أنه مبالغ فيه جدا مقارنة بتكاليف مدرجات المطارات العالمية الكبرى، أو مناقصة طريق الدائري الأول البالغة قيمتها 265 مليون دينار مع أن طول الطريق الذي تشمله المناقصة هو 11 كيلو متر مربع فقط، أي أن الكيلو متر الواحد سيكلف ميزانية الدولة 24 مليون دينار!! وهو ما حدا بالنائب الفاضل أحمد السعدون إلى وصف المناقصة في جلسة علنية لمجلس الأمة بأنها "سرقة علنية لن تمر"، أو صفقات الأسلحة التي تثار حول بعضها الكثير من علامات الاستفهام أو عمليات تقييم الأصول العامة في المؤسسات العامة التي تنوي الحكومة خصخصتها، والتي يتعرض بعضها لعمليات تلاعب منظمة سيترتب عليها سرقات كبرى للمال العام، وغير ذلك من المناقصات الضخمة المبالغ جدا في قيمها.