زمن عبدالله السالم بين البراءة والبراعة
في أوّلات المواسم الديمقراطية، كانت زمناً للبراءة، كانت الناس ترى في الدستور وفي مقدمتهم شيخنا العود عبدالله السالم مخرجاً لمأزق سياسي ظل يراوح ويحوم على البلاد كالنسر الجائع. كان الاحتفاء بالدستور هو احتفاء بتأسيس دولة، أو فلنقل مشروع الدولة مقابل مشروع حكم مطلق. جاء الدستور ليسهم في النقلة إلى ما يفترض فيه أن يكون أرحب.
الالتفاف حول الدستور آنذاك كان بمنزلة احتفاء بولادة مولود جديد يعزز قيم التشاور الماضية، ويكون رافعة لما هو أكثر حداثة كالمساواة والعدالة، ورفض التمييز، والمشاركة السياسية.عبدالله السالم من جانبه كان يدرك حجم الانفلات، والرغبة الجامحة لدى بعض أفراد الأسرة الحاكمة، في العودة إلى الماضي التليد، والحكم المطلق، والشيخة، وتكررت خلال حقبة الدستور، محاولات عدة، مفهومة بالطبع، لكنها غير مقبولة، لعودة عقارب الساعة إلى الوراء.عندما اشتكى بعض الشيوخ لدى الشيخ العود من أنهم لا يستطيعون تحمل زوال الشيخة، وتعرض من هم دونهم عليهم في البرلمان، كان جوابه واضحاً، «اللي ما فيه شدّة يمشي». وفعلاً كان هناك مَن لم يتحمل وقرر الانسحاب من الساحة السياسية بشرف، فالزمن قد تغير.آثر البعض الآخر ممن رأوا في تلك الوثيقة خطأ وعيباً وسقطة تاريخية، أن يخربوا تلك الوثيقة من الداخل، أي من داخل مجلس الأمة، فتارة تصدر القوانين غير الدستورية، تتبعها استقالة عدد من النواب احتجاجاً، وتارة بتزوير الانتخابات، وتارة بالانقلاب المباشر على الدستور ومحاولة تنقيح الدستور من خلال لجنة معينة ثم زيادة عدد الدوائر إلى 25 دائرة وعرض المشروع على المجلس، ثم تكرار الانقلاب على الدستور مرة أخرى عام 1986 وفرض الرقابة على الصحافة، والحديث المستمر عن حل المجلس، والتهويش به لتأديب المنحرفين. ودائماً تنتهي تلك الانقلابات إلى كوارث.عندما اشتدت أزمة 1964 التي عرفت حينئذ بأزمة المادة 131، كان عبدالله السالم خارج البلاد، وعاد ليواجه بطلب من ولي العهد رئيس الوزراء الشيخ صباح السالم رحمه الله يطلب فيه حل مجلس الأمة. كان عبدالله السالم يعلم حينئذ علم اليقين أن الأزمة مفتعلة، وكان يعلم جيداً، أن بعض أطرافها كانوا من أفراد الأسرة، كان أمامه خيار الاستجابة لطلب رئيس وزرائه، ولكنه رفض طلب رئيس الوزراء وطلب منه إعادة تشكيل مجلس الوزراء بما يتوافق مع مطالب مجلس الأمة مع علمه بتهافت المجلس وانحرافه.كأني أراه وهو يوجه إصبعه ناصحاً للنواب والحكومة قائلاً:تُهدى الأمورُ بأهلِ الرأيِ ما صلحتْفإنْ تولتْ فبالأشرارِ تنقادُكان ذلك زمناً للبراءة... ربما... فهل خرجنا منه إلى زمن البراعة؟ ربما... فحتى أدوات الصراع السياسي في زمننا الحالي باتت بلا شخصية، بل أوهى من بيت العنكبوت، وفي أحسن حالاتها «شيك بلا رصيد».