التحول الشامل الذي مر به المجتمع الكويتي مع تولي الشيخ عبدالله السالم للحكم أعطى انطباعاً بأن المجتمع كان يمر بحالة صعود وتقدم. ولم لا؟ فمنْ يُرِدْ أن يقارن فإنه لن يجد وجهاً للمقارنة، بين حال الناس سنة 1950، من شظف عيش، وفقر مدقع، وأمية سائدة، ومحدودية حركة، وبين الحركة التي بدأت تدب على الأرض وتتحرك لا كدبيب نمل بل كان وقعها يحدث ما يشبه هزات أقدام الفيلة. فها هي الشوارع، والسيارات، والمناطق الجديدة، والمدارس، والمستشفيات، حركة لا تكل ولا تمل. مجتمع بدا كقذيفة مدفع ستنطلق حيث التنمية والانطلاق والازدهار.
وهكذا فمن يقارن تلك الحقبة حتى السبعينيات، بما سبقها فمن الطبيعي أن يرى فيها حقبة صعود. تلك الحقبة التي بدأت بالتدهور منذ أواخر السبعينيات حتى يومنا هذا، مؤدية إلى استلاب ذهني، وحالة إحباط مرضية، لا ترى خروجاً من حالة الجمود والتراجع، إلا بالنكوص والعودة إلى تلك الحقبة، فقد يتصور البعض أن الانفتاح السياسي الذي تحقق آنذاك كان تلقائياً، مهيأة له الوسائد والحشايا، إلا أن الوضع لم يكن كذلك.فبعد فشل تجربة الانتخابات الجزئية الأولى للمجالس المتخصصة سنة 1951، بسبب موقف بعض أفراد الاسرة الرافض للانتخابات من حيث المبدأ، فإنه تحت ضغوط حركة شعبية سياسية متماسكة، تم التفكير بإعادة التجربة مرة أخرى سنة 1954، وتشكلت لجنة برئاسة الشيخ عبدالله الجابر وعضوية عبدالله ملا وعزت جعفر وثمانية من وجهاء البلد رحمهم الله جميعاً. واختارت اللجنة شخصين لكل منطقة من المناطق الخمس يتوليان اختيار الناخبين حسب معرفتهما كل في منطقته. وشارك في تلك الانتخابات نحو 3 آلاف ناخب. وأجريت خلال شهر أبريل انتخابات 3 مجالس هي بالتوالي المعارف ثم البلدية ثم الأوقاف، ولم تُجرَ انتخابات مجلس الصحة بسبب موقف رئيسه الرافض للانتخابات.كان واضحاً أن الطموح الشعبي لم يكن قابلاً سقفَ مجرد انتخابات جزئية لمجالس متخصصة. فما إن انتهت الانتخابات حتى تشكل وفد من تلك المجالس المنتخبة من ستة أشخاص، وهم: أحمد الفهد وعبداللطيف المسلم عن مجلس الأوقاف، وخالد المسلم وعبدالحميد الصانع عن مجلس المعارف، وسليمان المسلم وخالد الزيد عن البلدية، رحمهم الله جميعاً. وقام الوفد بمقابلة الأمير وتقدموا إليه بعريضة تضمنت جملة مطالب تدعو إلى إجراء مجموعة من الإصلاحات، من خلال تشكيل مجلس استشاري، يساعد الحاكم في إدارة شؤون البلاد. وقد اقترح الشيخ أن يكون المجلس من 6 أعضاء (اثنان من كل مجلس منتخب) يضاف إليهم اثنان من الأسرة الحاكمة. إلا أن الوفد اقترح أن يكون عدد أعضاء المجلس 12 عضواً مع قبول مشاركة فردين من الأسرة الحاكمة، شريطة أن يكونا متساويين في التصويت مع أعضاء المجلس الآخرين.إلا أنه فجأة وبدون مقدمات، وبدلاً من الاستمرار في التفاوض، جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير، فكان أن قام الحاكم في يوليو 1954 بتعيين اللجنة التنفيذية العليا من ستة أشخاص، وبالتالي سد الطريق في وجه الحراك السياسي، حتى في وجه القوى والشخصيات المعتدلة. وفي إثر ذلك أعلنت المجالس الثلاثة المنتخبة (المعارف والأوقاف والبلدية) عدم تعاونها مع الحكومة. وسعياً من اللجنة التنفيذية العليا إلى سد فراغ عدم تعاون المجالس، فقد قامت بترشيح أربعة اشخاص لتولي مهام تلك المجالس، وهم: محمد يوسف النصف وعبدالقادر القناعي وأحمد البشر الرومي وعبدالله الشرهان، رحمهم الله جميعاً، إلا أنهم ذاتهم اتخذوا كذلك موقف عدم التعاون مع الحكومة. وهكذا دخلت البلاد في أزمة سياسية غير واضحة المخارج، بل إن المؤشرات كانت تشير إلى ازدياد التوتر.إذاً، لم تأتِ الديمقراطية، كما يتصور البعض، على طبق من ذهب، أو كمنحة أو هبة لا قواعد لها، أو جزءاً من كرم حاتمي، بل جاءت ضمن سياق، وصيرورة موضوعية وذاتية، كما سنرى. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء
أخر كلام
زمن عبدالله السالم ولايزال التعثر مستمراً
05-10-2009