الخطوة الأولى
لضمان عدم العودة إلى المماطلة وإضاعة الوقت في الدوران داخل الحلقة المغلقة، التي دارت فيها عملية السلام نحو خمسة عشر عاماً بلا أي نتيجة، فإن الانطلاقة الأولى يجب أن تبدأ هذه المرة بالتزام إسرائيل بضمانة أميركية بالانسحاب من كل الأراضي التي وقعت تحت الاحتلال في حرب عام 1967 وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 الذي يشمل القدس الشرقية، وهذا هو بالتأكيد ما عناه الأميركيون عندما أشاروا قبل أيام إلى ضرورة أن تكون الخطوة هي الاتفاق على حدود الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة مع إسرائيل.اليوم (الأحد) من المفترض أن يعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رده على ما تضمنه خطاب الرئيسي الأميركي باراك أوباما تجاه عملية السلام وحل الدولتين، وأغلب الظن أنه سيكرر في هذا الرد المنتظر اقتراح شمعون بيريز الذي اقترح أن تكون حدود الدولة الفلسطينية المنشودة مؤقتة، وهذا يدل على سوء نية واضح، ويدل على أن الإسرائيليين يسعون إلى تجنّب استحقاقات السلام باللجوء إلى المماطلة وإضاعة الوقت بطرح مسائل حمّالة أوجه، يتطلب الاتفاق على حل الحد الأدنى من كل واحدة منها سنوات طويلة.
الآن هناك فرصة لإلزام الإسرائيليين بالحل الذي نصَّت عليه القرارات الدولية وبحل الدولتين، الذي يشكل محور التحرك الأميركي الحالي، الذي يؤيده العالم كله، وهذا من المفترض أن يجعل العرب أكثر وضوحاً، وأكثر قدرة على رفض الألاعيب والمناورات الإسرائيلية، التي أدخلت عملية السلام في تلك الدوامة التي تواصلت منذ عام 1993 حتى هذه اللحظة. يجب رفض اقتراح الدولة الفلسطينية بحدود مؤقتة، الذي سارع شمعون بيريز إلى التقدم به لإنقاذ حكومة بنيامين نتنياهو، التي تتعرض لضغط أميركي ودولي حقيقي، ويجب الإصرار على أن الخطوة الأولى يجب أن تكون اعتراف إسرائيل الواضح والصريح بأنها دولة محتلة، وان انسحابها من الأراضي المحتلة يجب أن يتطابق مع الحدود التي كانت قائمة في الرابع من يونيو عام 1967، وان هذا يشمل القدس الشرقية التي هي جزء لا يتجزأ من الضفة الغربية.لا يجوز إعطاء الإسرائيليين أي منفذ للتهرب من استحقاقات عملية السلام، ولتجنّب الضغط الأميركي والدولي الذي هو في منتهى الجدية هذه المرة، ولهذا يجب أن تكون البدايات واضحة، ويجب أن تكون النهايات معروفة، فالبدايات يجب أن تبدأ بتحديد حدود الدولة الفلسطينية المستقلة، وبتأكيد أن عاصمتها هي القدس الشرقية، وذلك في حين أن النهايات يجب أن تكون إقامة هذه الدولة خلال فترة زمنية محددة، كل مرحلة من مراحلها تؤدي إلى المرحلة التالية، وكل هذا بكفالة أميركية ودولية فاعلة.والمفضل بالنسبة إلى هذه العملية التي يجب أن يتم إنجازها خلال عامين على الأكثر، هو الاستعانة بقوات دولية أو قوات متعددة الجنسيات، لترابط فوراً على حدود دولة فلسطين المستقلة المنشودة مع دولة إسرائيل، ولتقوم هذه القوات بحفظ الأمن في الضفة الغربية وفي غزة أيضاً، ولتمنع أي تنظيم فلسطيني وبخاصة التنظيمات التي تعمل وفقا لأجندات خارجية من القيام بأي عمل عسكري أو غير عسكري يوفر للإسرائيليين ذريعة التملُّص من العملية السلمية، على غرار ما قامت به "حماس" خلال وبعد ما سُمي انتفاضة الأقصى، التي كانت بمنزلة كارثة مدمرة بالنسبة إلى القضية الفلسطينية.كاتب وسياسي أردني