«يا لا لا لاه... يا صاحبي»!
«مولاي صلِّ وسلم دائما وأبدا على حبيبك خير الخلق كلهم»... كانت هذه العبارة آخر ما سمعته على إذاعة الأناشيد على الـ»إف إم» منذ أيام، قبل أن تنقطع الأنشودة لتصدح الأغنية: يا لا لا لاه... يا صاحبي.
للوهلة الأولى ظننت أنها أنشودة أخرى، خصوصا مع تطور فن الأناشيد أخيرا ودخول مختلف أنواع الإيقاعات والهمهمات عليها، حتى ما عاد الواحد بقادر على تمييز ما إذا كانت هذه الأصوات لآلات موسيقية حقا، أم أنها أصوات بشرية تمت معالجتها وتحويرها إلكترونيا، إلا أنني سرعان ما استوعبت أنها أغنية فعلا... وبعد لحظات عادت الأمور إلى ما كانت عليه، وعادت الأناشيد مجددا.ولا أدري... فلعله كان خللا فنيا لسبب ما، ولكن وعلى كل حال، فليست هذه المرة الأولى التي تنقطع فيها الأناشيد لتحل محلها الأغاني، فقد سبق لنفس المحطة وبعدما انطلقت لعدة شهور، أن توقفت عن بثها وتحولت إلى محطة غنائية منوعة لعدة شهور أيضا، ثم عادت بعدها إلى سيرتها الأولى منذ مدة بسيطة لبث الأناشيد مجددا. والظاهر لي أن المحطة تبحث عن هوية لها، بغض النظر عما تكون، هوية تدر عليها مردودا ماليا مقنعا يتكفل على الأقل بإبقائها على قيد الحياة.وهنا سأتوقف لأقول إن هذا المقال لا يحاول أن يقول بأي طريقة من الطرق إن بث الأناشيد أفضل من بث الأغاني، فهذا حديث آخر لا يدخل من ضمن أغراض هذا المقال، لكن ما أود قوله في هذا الصدد هو أن الأناشيد سلعة في نهاية المطاف، مثل سلعة الأغاني. صحيح أن البعض يجيز الأناشيد شرعا، ولا يجيز الأغاني، إلا أن هذا لا يغير من فكرة أن كلتيهما سلعة.أعود إلى الفكرة الرئيسة... واضح أن فكرة تسويق الأناشيد إذاعيا غير قادرة على الوقوف على قدميها حتى الآن، فأي قناة إذاعية بحاجة إلى المال حتى تستمر، وهذا المال لا يهطل مع المطر، فإما أن تكون هناك جهة أو جهات راعية، وإما أن تكون هناك إعلانات تجارية تدر دخلا. السؤال هنا: أين تلك الجهات الراعية، وبالذات من تلك الفئات المقتنعة بالأناشيد كبديل للأغاني، عن دعم مثل هذه القناة؟! ولماذا تتهافت كثير من الجهات على رعاية قنوات وإذاعات وبرامج أخرى، ولا تجد هذه القناة من يرعاها؟ وكذلك أين المعلن «الإسلامي» عن الإعلان في مثل هذه القناة الإذاعية «الأناشيدية»، خصوصا أن لها شريحة جماهيرية لا بأس بها؟!أعتقد أن الإجابة ليست بذاك التعقيد، خصوصا في شق الإجابة عن سبب غياب المعلن عن هذه القناة، وهو أن الأمر في النهاية «تجارة» بالنسبة لأي معلن، إسلامي أو غيره، ولهذا فإن المعلن سيحرص على الاتجاه إلى تلك المنافذ التي تضمن له الوصول إلى أكبر عدد من المستهلكين، ولن يخاطر بتجارته لمجرد دعم هذه الجهة أو تلك لقناعة إيديولوجية ما.حسنا. إذن ما الحل لدعم استمرار مثل المحطة «الأناشيدية»؟أعترف أني لا أملك إجابة دقيقة، وقصارى ما عندي هو طرف خيط، وهو ضرورة وجود دعم من جهة ما، بشكل ما، لهذه التجربة من تلك الجهات التي ترى في الأناشيد بديلا مقبولا شرعا عن الأغاني، على الأقل في هذه الفترة الابتدائية، وذلك لضمان استمرار التجربة وبقائها، ولن أقول تطويرها وتكبيرها، إلى أن تحظى بشعبية أكبر، تجعلها منفذ جذب إعلاني حقيقي للمعلن على اختلاف توجهاته.لا أملك دلائل محددة، ولكن استقرائي المبدئي يقول إن جماهيرية القناة في ازدياد، وهذا أمر إيجابي في قناعتي، على الأقل من باب التنوع في البدائل الإذاعية المتاحة للجمهور في ظل هذه الزحمة الغنائية الصاخبة الضاربة.