هل انتهت الأزمة الاقتصادية في روسيا؟ إن الإجابة عن هذا التساؤل تتوقف على من توجه إليه سؤالك. فإذا سألت رئيس الوزراء فلاديمير بوتين، أو أي مسؤول ينتمي إلى حزب روسيا الموحد الذي يتزعمه بوتين، فسوف يُقال لك: "لقد انتهت بالطبع". بل إنهم قد يقدمون لك الدليل في هيئة معدل بطالة لا يرتفع، وزيادة غير مسبوقة في معاشات التقاعد، ونمو قوي في قطاعات البناء وصناعة المعادن.

Ad

لا شك أن كل هذه المقارنات تُعقَد مع ما انتهت إليه الأمور في الشهر الماضي وليس مع الأداء الاقتصادي للبلاد في مرحلة ما قبل الأزمة. ثم هناك "معجزة" أخرى بدأت الحكومة في الدعاية لها، وهي المعجزة التي اكتشفت في شهر أغسطس: أو الزيادة التي سجلها التعداد السكاني في روسيا. ولكن من المؤسف أن معدلات المواليد لم تتجاوز معدلات الوفاة قبل ذلك الشهر أو بعده.

أما إذا سألت أحد المنتمين إلى المعارضة عما إذا كانت الأزمة الاقتصادية قد انتهت، فسيُقال لك إن الأزمة بدأت للتو. فقد سجل نتاج "غازبروم" هبوطاً بالغ السرعة؛ هذا فضلاً عن احتضار "المدن الشركات" ذات الصناعة الواحدة.

الواقع أن كلاً من النظرتين لحالة الاقتصاد الروسي تحمل في طياتها بعض الصدق، ولكن لأن الحكومة تسيطر على كل القنوات التلفزيونية الرئيسة فهي ناجحة في فرض وجهة نظرها بشأن الموقف، بل إن المعارضة لا تستطيع الوصول إلا إلى بضع صحف ومحطات إذاعية، وهو ما لا يترك أمامها سوى الإنترنت، أو الحيز الوحيد المتبقي للحرية في روسيا. ولكنك ستطَّلع هناك على تقديرات بالغة التشاؤم فيما يتصل بمستقبل البلاد على الصعيد الاقتصادي. وعلى هذا فإن الكرملين يسعى إلى حجب الحقائق عن مواطنيه بالاستعانة بسيناريوهات وردية، في حين تبالغ شبكة الإنترنت في تصوير واقع مظلم كئيب.

ومن الواضح أن الحقيقة تقع في مكان وسط بين النظرتين. والحقيقة التي لا تقبل الجدال هنا هي أن صحة الاقتصاد الروسي تعتمد على عوامل خارجية. ولكن في خارج روسيا لا يستطيع أي خبير اقتصادي مسؤول أن يبدأ حتى في التكهن بما إذا كانت الأزمة قد انتهت حقاً. ذلك أن خبراء الاقتصاد يدركون أن الأسواق الهادئة نسبياً لا تعني أن النمو الاقتصادي القوي بات وشيكاً.

لقد أصبح الاقتصاد الروسي الآن مرهوناً بالنمو العالمي المحتمل. والسبب واضح: فميزانية الدولة تكاد تعتمد اعتماداً تاماً على أسعار الطاقة. والآن بعد أن بلغت أسعار النفط 80 دولاراً للبرميل، فقد يتسنى للبنك المركزي الروسي أن يبدأ بشراء العملات الأجنبية مرة أخرى. إن أسعار الذهب والاحتياطيات من العملات الأجنبية أصبحت في ازدياد، الأمر الذي يعني ضمناً انخفاض قيمة الروبل، كما أن الميزانية الروسية في عام 2010 مازالت متجهة نحو عجز خطير، وذلك بسبب زيادة الإنفاق.

لقد باتت سنوات نمو الدخل السريع أثناء سنوات بوتين الأولى في السلطة شيئاً من الماضي. ورغم استمرار تضخم الإنفاق فإنه مازال تحت السيطرة، إلى أن تنهار أسعار الطاقة فجأة. والواقع أن الكرملين الذي يكرس كل جهوده لحماية تعويذته الأساسية- شعبية بوتين- أثبت أنه غير مهيأ على الإطلاق للحد من الإنفاق العام في أعقاب انحدار عائدات الدولة، ومن غير المستغرب إذن أن يتضخم عجز الميزانية.

كان الراحل ييغور غايدار، وهو أول رئيس وزراء روسي مناصر للإصلاح، قد حذر الحكومة من العواقب التي قد تترتب على أسعار النفط المتضخمة، كما أكد مراراً وتكراراً أن النمو القائم على الإفراط في الإنفاق من شأنه أن يقوض الإرادة السياسية اللازمة لخفض الإنفاق حين يستلزم الأمر ذلك. لقد توفي غايدار في العام الماضي، ولكن تحذيراته التي ذهبت أدراج الرياح تبين أنها كانت في محلها، الأمر الذي برهن مرة أخرى على المقولة القديمة "لا كرامة لنبي في وطنه".

في الأشهر الأخيرة، نجحت الحكومة الروسية أخيراً في خفض معدل التضخم إلى 8%. وفي بعض الأحيان يُقدَّم هذا باعتباره مَعلَماً آخر يؤكد أن الأزمة اقتربت من نهايتها، ولكن هذا غير صحيح، فقد هبط معدل التضخم نتيجة للأزمة، التي عكست اتجاه تدفقات رأس المال. وفي حين بلغت الاستثمارات الداخلية 20 مليار دولار في عام 2008، فإن تدفق رأس المال إلى الخارج بلغ في مجموعه 20 مليار دولار في عام 2009. ويشتري البنك المركزي الآن كميات أقل من العملات الأجنبية، وبالتالي يصْدِر كميات أقل من الروبل، الأمر الذي لابد أن يؤدي إلى الحد من التضخم.

وتشكل البطالة مؤشراً أكثر جموداً، وهو المؤشر الذي يتوقع الخبراء نموه في عام 2010. والمشكلة هنا أن العمالة الروسية أقل قدرة على الحركة من العمالة في أوروبا والولايات المتحدة. ويفضل الروس أجوراً أقل- أو ببساطة الانتظار بلا أجور على الإطلاق- على التحرك بحثاً عن وظيفة جديدة.

ويُعَد وضع مؤسسة صناعة السيارات "أوتو فاز" مثالاً صارخاً، ففي العام الماضي هبط الناتج إلى 300 ألف سيارة بعد أن كان 800 ألف سيارة في عام 2008. وهذا التراجع الهائل في المبيعات يتطلب عادة الاستغناء عن أعداد هائلة من العمال أو خفض الأجور، ورغم ذلك فإن 27 فقط من أصل 102 ألف عامل فضلوا التسريح. ونتيجة لهذا فقد تم تخفيض الأجور إلى النصف. إلا أن الدولة، التي تسعى إلى إنقاذ صناعة السيارات المحلية، سارعت إلى تخصيص المزيد من الاعتمادات المالية للشركة من خلال البنوك المملوكة للدولة.

ولكن إلى متى قد يستمر هذا الوضع؟ ذات يوم، سيصبح من غير الممكن حجب البطالة تحت قناع تقصير أسابيع العمل، والإجازات القسرية، وخفض الأجور. وحين يحدث ذلك- وهناك مؤشرات قوية تدلل على احتمال حدوث ذلك في العام القادم- فآنذاك سيكون بوسعنا حقاً أن نعتبر أن الأزمة في روسيا قد بدأت للتو.

لقد بدأت برامج التحفيز في أنحاء العالم المختلفة- في الولايات المتحدة وأوروبا والصين- في الإثمار بالفعل، وكما كان متوقعاً. ولكن من غير المؤكد حتى الآن ما إذا كان محرك الاقتصاد العالمي سيتمكن من الدوران من دون سيولة إضافية، الأمر الذي قد يقوض الاستقرار المالي في أنحاء العالم المختلفة. وفي أماكن أخرى، سيصبح هذا واضحاً أثناء النصف الأول من عام 2010؛ أما في روسيا فإن ظهور بوادر التعافي سيتأخر مقارنة ببقية العالم، هذا إن ظهرت بوادره هناك على الإطلاق.

* إيرينا ياسينا محللة بمعهد الاقتصاد الانتقالي، ومعلقة اقتصادية أسبوعية لدى وكالة الإعلام الروسية "نوفوستي".

"بروجيكت سنديكيت" بالاتفاق مع "الجريدة"