الذين يتحملون مسؤولية انفتاح الأميركيين على عزت الدوري وعلى حزب البعث بأجنحته المختلفة، هم هؤلاء الذين بقوا يتناوبون على الحكم في العراق منذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، والذين رغم مرور كل هذه الأعوام، التي غرقت في أنهار من الدماء، لم يثبتوا أن لديهم إمكانية حكم هذا البلد الذي فيه من التعقيدات والتداخلات ما يجعل حكمه أصعب من خرط القتاد.

Ad

إن الهدم أسهل من البناء بآلاف المرات، وحقيقة ان الذي هدم نظام صدام حسين وأسقطه ليس هؤلاء الذين يحكمون الآن، ولا الذين استمتعوا على مدى الأعوام الستة الماضية بطيب العيش ورغده في المنطقة الخضراء في بغداد، بل هو الرئيس الأميركي جورج بوش (الابن) الذي يوسعه بعض العراقيين الآن شتماً هو والقوات الأميركية التي دخلت العراق على أنها مـُحرِّرة، وانتهى وضعها إلى أنها قوات محتلة وغازية، ويجب أن تغادر على الفور.

وبصراحة لقد ثبت من خلال تجربة الأعوام الستة الماضية أن المعارضة العراقية، باستثناء حالة إقليم كردستان، لم تكن مؤهلة للحكم، وأنها بالأساس لا تعرف عن داخل العراق شيئاً، وأن زعماءها، الذين رافقوا الدبابات الأميركية (الغازية)، قد انشغلوا بمجرد سقوط نظام صدام حسين، ليس بانتشال بلدهم من التركة الثقيلة التي خلفها النظام السابق، ولا بتضميد جراحات شعبهم، بل بامتيازاتهم وحساباتهم وطوائفهم وعشائرهم وقبائلهم، وكانت النتيجة أن كل هذه الأعوام قد مرَّت، وهذا البلد ينتقل من سيئ إلى أسوأ، الى أن أصبح على ما هو عليه الآن.

ولهذا فإن مع الأميركيين كل الحق في أن يبحثوا عن الخروج من المأزق، وانتشال أنفسهم من أوحال العراق بالاتصال مع عزت الدوري ومع صدام حسين لو أنه بقي حيّاً، وهناك بيت شِعْر عربي يقول: "ومن نكد الدنيا على المرء أن يرى عدواً له ليس من صداقته بد"، وهذا ما كان متوقعاً منذ البداية عندما انشغل الذين سكنوا المنطقة الخضراء باهتماماتهم الشخصية وبتقاسم الغنائم، ونسوا بلداً حُكْمُهُ غير سهلٍ، وقيادته عبر كل حقب التاريخ صعبة وعصيَّة.

يجب أن يأخذ هؤلاء، الذين يقتتلون الآن تحت قبة البرلمان في بغداد على حصص طوائفهم ومذاهبهم وعشائرهم، نبأ إجراء الاستخبارات الأميركية اتصالات مع "جماعة" عزت الدوري، بالمزيد من الجدية، وعليهم ألا يستبعدوا، في ضوء توغُّل إيران كل هذا التوغل في العراق، أن يأتي اليوم، وقريباً، الذي سيضع الأميركيون أيديهم في أيدي البعثيين، لوضع حدٍ لكل هذا التدخل الإيراني الذي تجاوز كل الحدود في الشؤون العراقية الداخلية.

إنه على الذين يحكمون العراق الآن، والذين يشغلون المنطقة الخضراء، والذين مازالوا ينشغلون بتقاسم الغنائم والمحاصصات، أن يستفيدوا من عبر التاريخ التي من بينها أن الأميركيين عندما خذلهم حلفاؤهم لم يجدوا عيباً في أن يفروا من "سايغون" كالعصافير المذعورة، ويتركوا أبوابها مفتوحة لاستقبال قوات "الفايتكونغ" الزاحفة من الشمال.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة