نظرة سريعة إلى ما يجري في المنطقة العربية في مجال مصادرة الحريات تنبئنا بأن هناك تشابهاً ما وتسابقاً بين الدول العربية في استحداث وسائل وأدوات تتوافق مع متطلبات المجتمع الدولي من حيث الشكل. ويبدو أن الهدف من وراء ذلك هو الظهور بشكل لا يتعارض مع المعايير الدولية. فبدلاً من إجراءات القمع التقليدي، بدأت عدة دول عربية اللجوء إلى رفع القضايا ضد خصومها السياسيين، والكتاب، وأصحاب الرأي. وعادة ما يقوم برفع تلك القضايا مسؤول كبير في الحكومة، أو مقربون إلى ذلك المسؤول. فمن خلال رصد لأوضاع حرية التعبير عربياً يتضح لنا أن هناك ما يزيد عن 19 قضية تم رفعها ضد كتاب وأصحاب رأي وحتى ناشطين في حقوق الإنسان في 6 دول عربية خلال الثلاثة شهور الأخيرة فقط. وقد اتضح أن غالبية تلك القضايا تدور في فلك السب والقذف. بالطبع تختلف الدول العربية في إجراءاتها فهناك دول شديدة القمعية، تستخدم تلك التهم لتنفيذ إجراءاتها الاعتيادية في التنكيل والتعذيب حتى أثناء الاحتجاز، ولا تكون القضية إلا لذر الرماد في العيون إذا سأل سائل من المنظمات الدولية، بأن الموضوع خاضع للتحقيق، وقد يطول ذلك التحقيق لمدد طويلة إمعاناً في التنكيل والإهانة لصاحب الرأي، والهدف هو أن يصبح عبرة للآخرين.

Ad

وقد اعتدنا خلال احتدام الصراع السياسي والفكري أن تكون حرية التعبير هي الضحية الأولى، ويأتي ذلك في الغالب تحت مبررات معروفة ومكررة "كحماية الوطن" و "الحفاظ على أمن الدولة" و "عدم المساس بالنسيج الاجتماعي" و "قطع الطريق على الطابور الخامس" وحيث إن ذلك كما يبدو لم يعد كافياً تم إضافة "السب والقذف" بحق هذا المسؤول أو ذاك.

وبالتالي لم يعد مفهوماً ولا مقبولاً التوسع في منع النشر المطلق في قضية ما دون تحديد ما هو المقصود بعدم النشر، ولعل الحماس الذي أبدته وزارة الإعلام في منعها الفضائيات العربية وغيرها التي لديها مكاتب بالكويت من نشر أي شيء حول قضية المحامي والكاتب محمد عبدالقادر الجاسم حماس يثير التساؤلات والاستهجان في آن واحد، وتجاوزت فيه حدود الأمر القضائي بمنع النشر والذي يحتاج هو ذاته إلى مراجعة قانونية.

التجربة المريرة التي عشناها إبان فترة الرقابة الحكومية المسبقة على الصحافة والتي امتدت مابين 1986 و1990 كانت نتائجها كارثية ومأساوية، حتى لو تم تغليفها بكلمات إنشائية جميلة تتحدث عن حماية الوطن وأمنه، فما إن انقشع الغبار حتى صحونا من نومنا وجحافل الغزاة قد احتلت بلادنا الصغيرة.

نتمنى أن لا تكون حكومتنا الرشيدة داخلة في التنسيق مع دول أخرى في المنطقة لاستحداث أساليب جديدة لمصادرة الرأي الآخر، فالمؤشرات تسير في هذا الاتجاه.

صدام حسين وحزبه رفعا شعار أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، وقد اتضح لنا أن تلك الرسالة لم تكن إلا التفنن في القمع ومصادرة الحريات وإهانة كرامة البشر.