خذ وخل: الأزمة بين الهايص واللايص

نشر في 02-08-2009
آخر تحديث 02-08-2009 | 00:00
 سليمان الفهد الطامة الكبرى في سياق استجابتنا اللّاسويّة للأزمة الاقتصادية والمالية الراهنة وتحدياتها وتبعاتها، تكمن في حمى التسوّق الاستهلاكي اليومي الذي يبدو لي أننا نمارسه شعورياً ولا شعورياً بطريقة قسْرية جرّاء تحول العادة إلى عبادة.

* لأني جاهل مكعب في الشؤون الاقتصادية والمالية، أجدني في حالة "حيص بيص" تجاه استجابة البلاد والعباد لتحديات الأزمة المالية التي اكتسحت العالم، وقوَّضت معمار العديد من المصانع العالمية، والبنوك الشهيرة، وأسواق الأوراق المالية وما إلى ذلك. ففي حين تجد العالم كله مشغولاً و"لايصاً" جداً لاحتواء آثار وتبعات الأزمة، تجد أن المواطن في بلادنا سعيد و"هايص" يمارس طقوس وعادات وتقاليد حياته اليومية الاستهلاكية، وبراءة الأطفال "الريعيين" تشع من عينيه! نعم ثمة لغو كثير حول المساعي المقترحة لاحتواء آثارها وتداعياتها، لكن الشعب نفسه مازال يمارس حياته اليومية وكأن الأزمة بمنأى عنه، وتحدث في كوكب ثانٍ، غير كوكب الأرض الذي يحضن خلق الله كافة! سوى الشعب الكويتي المتشرّنق في حضانة الدولة الريعية المجيدة، والتي تتولاه وترعاه من المهد الى اللحد، ولله الحمد. وشعار من المهد الى اللحد ليس مجازياً ودعائياً أجوف، بل هو حقيقة تدب على أرض البلاد خدمات عامة ومجانية تشمل شتى مناحي الحياة!

وحين كان المواطنون ينعمون بمزايا الدول الريعية المباركة، كان لسان حالهم يلهج بآيات الشكر والامتنان على مجانية التعليم والعلاج وغيرهما من تجليات أمنا الريعية السخية طال عمرها الزمني والاستهلاكي سواء. ولم يكن ثمة مواطن واحد من العامة يجرؤ على ذم وهجاء خيار الدولة الريعية؛ وسيلة لتحقيق بعض مظاهر عدالة توزيع الثروة على النحو الذي يخبره الجميع منذ النصف الثاني من القرن الماضي، حتى الحين الذي نعيشه في الألفية الثالثة.

من هنا كان من البدهي والطبيعي أن تكون استجابة "الكوايتة" لتحديات الأزمة المالية الاقتصادية متسمة باللامبالاة المتبدية في ممارسة المواطنين لحياتهم اليومية وسط حشد من الخدم والحشم والمربيات والطباخين وغيرهم من جموع الشغيلة المتكدسة في بيوتهم، وصار عددهم يفوق ويبز عدد أرباب المساكن وأهله وأصحابه الأساسيين، اللهم زد وبارك! زد على ذلك مسألة أن الشعب ما برح يسافر خارج الحدود كلما هبطت عليه إجازة- طالت أو قصرت، ولكنها مدفوعة الثمن بالضرورة. وجُلنا سافر رغم أنف تبعات الأزمة، ولم نكتفِ بسفرنا وحدنا، لكننا حرصنا، كما هو دأبنا، على السفر وبمعيتنا الطباخ والسائق والمربيّة إياها الموكل إليها القيام بدور الأم بالوكالة! ولا أغالي أبداً إذا زعمت بأن كل طفل كويتي يولد، تسبقه ولادة مربيته الآسيوية! فثمة ارتباط شرطي عضوي بين حضور كل منهما في البيت الكويتي! والطريف، إن كان في الأمر طرافة، هو مسارعتنا إلى تسجيل اسم المحروس المولود، واسم مربيته في بطاقة التموين!

*أما الطامة الكبرى في سياق استجابتنا اللّاسويّة للأزمة وتحدياتها وتبعاتها فتكمن في حمى التسوّق الاستهلاكي اليومي، الذي يبدو لي أننا نمارسه شعورياً ولا شعورياً بطريقة قسْرية جرّاء تحول العادة إلى عبادة، بمعنى ما! ولا يظنّ ظان بأننا بصدد لوم الشعب على لا مبالاته واستخفافه بالآثار المأساوية للأزمة المحنة، لأن استجابته إياها هي هبة الدولة الريعية ما غيرها، فقد أَلِفَ المواطن من الأخيرة احتواء عثراته، وتحمل أخطائه وخطاياه، وتعويضه عن كل مغامرة ومقامرة يقتحمها رغبة في الثراء المجاني السريع!

ومن هنا تجد التنافس المحموم بين الحكومة الرشيدة ومجلس الأمة الراشد هو الآخر، لكسب ود ورضا المواطنين المعسرين المقترضين المسرحين عن العمل وغيرهم من أبناء الدولة الريعية الوحيدة المتشبثه بهذا الدور الأمومي الرؤوم!... لذا إياك المطالبة بشد حزام التقشف وترشيد الإنفاق، لأنه بدعة!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top