الناخبون العراقيون على اختلاف شرائحهم وانتماءاتهم وثقافاتهم لا يشغل تفكيرهم هذه الأيام، سوى الحديث عن حمى الانتخابات النيابية، والذي يتبادلون أطرافه في ما بينهم، خصوصا في ما يتعلق بشكل الحكومة المقبلة، وماذا تحمل لهم من أفكار وطموحات ومشاريع تنقلهم من واقع مرير إلى عالم جديد طالما حلموا به يتمثل في توفير الوظائف للعاطلين عن العمل، وبناء البنى التحتية للبلاد وتوفيرالأمن والأمان بشكل قاطع، وحل مشكلة الكهرباء والماء والتلوث الذي عانوه منذ عقود. هذه النقاط هي التي تطرح على طاولة النقاشات بين أبناء الشعب الواحد سواء أثناء وجودهم في الأماكن العامة أو الخاصة، وكذلك الخوض بشكل أعمق في أجواء العملية الانتخابية المقبلة، وما ستفرزه من نتائج يعول عليها الناخبون لتلقي بآثارها الإيجابية على مستقبلهم.

Ad

الأحد المقبل، 18 مليوناً و900 ألف ناخب مدعوون إلى التوجه الى صناديق الاقتراع داخل العراق، وما يقارب مليوني عراقي في الخارج سيدلون جميعهم بأصواتهم في عملية الاقتراع 7 مارس الجاري، وأخذوا يتصارحون في إبداء النصيحة بعضهم بعضا، من أجل التمحيص والتدقيق جيداً في أسماء مرشحي القوائم الانتخابية، والبحث عن خلفيات أولئك المرشحين والنظر في سيرهم الشخصية للسنوات الـ7 الماضية، وماذا قدم كل واحد منهم إلى العراق، هذه الظاهرة لم تكن موجودة في العراق على وجه الخصوص من قبل ولأكثر من 40 عاماً مضت، إذ كانت النتائج معروفة مسبقاً والتي تصل الى 99.9 في المئة، أما اليوم والحقيقة يجب أن تقال إن المواطن العراقي بدأ يعرف ويعني معنى "ثقافة انتخابية، وتداول السلطة"، وهذا ما يعتبره بعض الساسة والمراقبين نجاحاً وإنجازاً لعملية التغيير التي طرأت للعراق عام 2003.

فاسدون وفاشلون

أصبح هناك اتفاق جماعي بين أطياف الشعب على ضرورة المشاركة في العملية الانتخابية رغم الملاحظات التي أبدوها خلال أحاديثهم على بعض مرشحي القوائم المتنافسة، التي تضم في طياتها من وصفتهم الأوساط الشعبية بـ"الوزراء الفاسدون" و"النواب الفاشلون".

وأيضاً هناك إجماع شعبي على رفض فكرة مقاطعة الانتخابات رغم التحفظ على نتائج العملية السياسية القائمة منذ أبريل 2003، وما تم تقديمه من خدمات قليلة من الحكومات المتعاقبة على الحكم طوال السنوات السبع الماضية.

 ويؤكد العراقيون أنه يجب البحث والتقصي عن مرشحين مؤهلين لتحمل المسؤولية، وعدم الاكتفاء بقراءة سطحية لمشاريع المرشحين وبرامجهم الانتخابية، رغم التقصير من قبل الحكومات السابقة وعدم رضى على ما قام به السياسيون طوال الدورة البرلمانية السابقة، لكن هذا لا يمنع من منح أصوات العراقيين لمن هم أهل للثقة، ومن يعمل بحرص وإخلاص على بناء العراق ورعاية شعبه. وينظر عدد من الناخبين إلى بعض المرشحين بنظرة استخفاف وتهكم لتصل الى حالة من عدم الاحترام أحياناً، نتيجة لما شاهدوه على شاشات القنوات الفضائية العراقية المنتشرة وغير العراقية لتصرفات مرشحين برلمانيين معيين، وما سمعوه من خلال وسائل الإعلام عن حالات فساد وتورط لمرشحين آخرين من بينهم مسؤولون في الدولة، في عمليات التجييش والعنف الطائفي الذي ساد البلاد في السنوات السابقة.

الصوت لمن يستحقه

ويشدد العراقيون خلال أحاديثهم ولقاءاتهم لوسائل الإعلام المتعددة والمتنوعة أو في ما بينهم على أنهم لم ولن يمنحوا أصوتهم لمن أساء للشعب وفضّل مصالحه الشخصية والفئوية والحزبية على مصلحة العراق وعامة الناس، فلا يمكن إعادة من كانوا جزءاً في التحريض الطائفي والقتل على الهوية ومن استغنوا وأصبحوا أثرياء على حساب المال العام ليتحكموا في رقاب الناس من جديد؟ مؤكدين أنهم سيمنحون أصواتهم هذه المرة لمن يستحق.

أيضاً هناك الآلاف من الناخبين العراقيين يبحثون في قوائم المرشحين بدقة متناهية رغم اختلاف توجهاتها وخلفياتها الدينية والثقافية والاجتماعية، وكذلك برامجها المستقبلية، في محاولة منهم لإعطاء أصواتهم لمن يستحق مثلما فعلوا في الانتخابات المحلية الماضية، بعدما اعترفوا بأنهم خدعوا في الانتخابات النيابية التي جرت عام 2005 ومنحوا أصواتهم على أساس مذهبي.

التخلص من الأحزاب الدينية

يطمح أغلبية العراقيين من خلال مشاركتهم في الانتخابات التشريعية المقبلة وممارسة حقهم الدستوري في إحداث تغيير نوعي على المشهد السياسي العراقي القائم منذ الإطاحة بنظام صدام حسين، والصورة تتجه نحو التخلص من الأحزاب الدينية التي يرى الكثيرون أنها وضعت العراق في اتون الحرب الأهلية التي راح ضحيتها مئات الآف من المواطنين الأبرياء الذين قتلوا دون ذنب سوى الانتماء المذهبي. ويؤكدون على أن تلك الأحزاب أثبتت خلال السنوات السبع الماضية من حكمها للعراق أنها لا تحمل أجندة سوى حماية مصالح النخبة منها حتى لو سار العراق كله إلى المجهول، ونجح الناخب العراقي في إحداث تغيير ملموس خلال انتخابات مجالس المحافظات التي جرت في يناير من العام الماضي، إذ تراجعت بعض الأحزاب الدينية كالمجلس الأعلى الإسلامي الى المرتبة الثالثة في مدينة كربلاء ومدن أخرى عراقية، وكذلك تراجع التيار الصدري التابع لمقتدى الصدر الى المرتبة الثالثة والرابعة في عدد من المدن والمحافظات العراقية، وتقدم عليها أسماء مستقلة معتدلة وأخرى ليبرالية مثل يوسف الحبوبي في كربلاء، وائتلاف دولة القانون الكتلة المعتدلة دينياً بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي في أغلب المحافظات الجنوبية والوسط، أما في محافظة نينوى فقد نجحت وباكتساح قائمة الحدباء الليبرالية بزعامة أسامة النجيفي وأثيل النجيفي، لذا تعول القوى الليبرالية السياسية والشعبية في العراق على توجه الشارع العراقي إلى صناديق الاقتراع ومنح أصوات الأغلبية لليبراليين والمستقلين والمعتدلين بعيداً عن النخب الدينية.

حكومة صلاح وإصلاح

يرى عدد من الشعب العراقي أن التغيير الذي طرأ على الخريطة السياسية العراقية بعد سقوط النظام البائد كان في مصلحة العراق والشعب العراقي لا ضده، وذلك من خلال جملة نجاحات حققتها الحكومات المتعاقبة منذ مجلس الحكم حتى الحكومة الحالية برئاسة نوري المالكي، ويلخص هؤلاء تلك النجاحات في وجود مساحة كبيرة من حرية الرأي للمواطن العراقي المتمثلة في الانتخابات ومنح صوته لمن يريد، مروراً بالتظاهرات التي هي تعتبر مستحدثة على الساحة العراقية بحيث أي فئة تشعر بنوع من الظلم تخرج في تظاهرات سلمية مطالبة بحقوقها، كذلك حرية السفر والتنقل بين البلدان الأخرى أصبحت في متناول الجميع، في حين كان لا يمكن للفرد العراقي أن يسافر دون أخذ موافقات من الجهات الأمنية ودفع مبالغ طائلة للدولة من أجل السفر، أيضاً هناك من يشير إلى أن رواتب ملاكات الدولة في قطاعات عدة أصبحت تضاهي عدداً من الدول المجاورة وهذه مسألة في غاية الأهمية، لكن يؤكد هؤلاء أن الحكومة القادمة حتماً ستكون حكومة "صلاح وإصلاح" وستتفرغ لإعمار وبناء البنى التحتية، وإيجاد فرص عمل للشباب العاطلين عن العمل بعدما يتم ترتيب البيت العراقي سياسياً من الداخل.