هل أصبحت أميركا الدولة الإسلامية الخامسة والأربعين؟

نشر في 17-06-2009
آخر تحديث 17-06-2009 | 00:00
 د. شاكر النابلسي -1-

هل أصبحت أميركا من خلال خطاب أوباما في القاهرة، الدولة الإسلامية الخامسة والأربعين، دون أن تخسر شيئاً، أو تقدم أي تنازلات، بل هي كسبت من الانضمام إلى العالم الإسلامي مكاسب جمّة. بل إن أوباما أظهر أن أميركا، أفضل من أي دولة إسلامية، وبأنها تفهم الإسلام النقي، وتطبقه، وتعتني برعاياه، أكثر من أي دولة إسلامية أخرى، وذلك من خلال المظاهر التالية:

1- قول أوباما في خطابه: «لقد أتيت إلى هنا للبحث عن بداية جديدة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي استناداً إلى المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل، وهي بداية مبنية على أساس حقيقة أن أميركا والإسلام لا يعارضان بعضهما بعضا، ولا داعي أبداً للتنافس فيما بينهما. بل لهما قواسم ومبادئ مشتركة، يلتقيان عبرها، ألا وهي مبادئ العدالة والتقدم والتسامح وكرامة كل إنسان».

ومن المعروف أن مبادئ العدالة والتقدم والتسامح وكرامة كل إنسان مفتقدة تماماً في الأربع والأربعين دولة إسلامية الأخرى، وأن الدولة الإسلامية الجديدة (أميركا) هي وحدها، التي تطبق مبادئ العدالة، والتقدم، والتسامح، وكرامة كل إنسان.

2- ولكي يُطمْئِن المسلمين، ويُشعرهم، بأن انضمامه إليهم، هو انضمام تاريخي في حقيقته، وأن علاقة أميركا بالإسلام علاقة عضوية ومتينة، وأن هناك رابطة قوية بين أميركا والعالم الإسلامي، لا يوجد مثيل في الغرب الأوروبي كله، قال: «أعلم كذلك أن الإسلام كان دائماً جزءاً لا يتجزأ من قصة أميركا، حيث كان المغرب، هو أول بلد اعترف بالولايات المتحدة الأميركية. وبمناسبة قيام الرئيس الأميركي الثاني جون أدامس عام 1796 بالتوقيع على معاهدة طرابلس، فقد كتب ذلك الرئيس، أن الولايات المتحدة لا تكن أي نوع من العداوة تجاه قوانين أو ديانة المسلمين، أو حتى راحتهم».

3- ولكي يُذكِّر أوباما العالم الإسلامي بعمق العلاقات الوطيدة بين العالم الإسلامي وأميركا، التي تعتبر دولة متدينة أكثر من أي دولة غربية أخرى قال في خطابه: «منذ عصر تأسيس بلدنا ساهم المسلمون الأميركيون في إثراء الولايات المتحدة، لقد قاتلوا في حروبنا، وخدموا في المناصب الحكومية، ودافعوا عن الحقوق المدنية، وأسسوا المؤسسات التجارية. كما قاموا بالتدريس في جامعاتنا، وتفوقوا في الملاعب الرياضية، وفازوا بجوائز نوبل، وبنوا أكثر عماراتنا ارتفاعاً، وأشعلوا الشعلة الأولمبية، وعندما تم أخيراً انتخاب أول مسلم أميركي إلى الكونغرس، قام ذلك النائب بأداء اليمين الدستورية مستخدماً في ذلك نفس النسخة من القرآن الكريم، التي احتفظ بها أحد آبائنا المؤسسين، توماس جيفرسون، في مكتبته الخاصة».

4- وقد حدد أوباما في خطابه هذا أسس ومستندات الشراكة بين أميركا والعالم الإسلامي بقوله: «إن الشراكة بين أميركا والإسلام يجب أن تستند إلى حقيقة الإسلام وليس إلى ما هو غير إسلامي وأرى في ذلك جزءا من مسؤوليتي كرئيس للولايات المتحدة حتى أتصدى للصور النمطية السلبية عن الإسلام أينما ظهرت. لكن نفس المبدأ يجب أن ينطبق على صورة أميركا لدى الآخرين. ومثلما لا تنطبق على المسلمين الصورة النمطية البدائية، فإن الصورة النمطية البدائية للإمبراطورية التي لا تهتم إلا بمصالح نفسها، لا تنطبق على أميركا».

5- وكما اعتبر أوباما أن الإسلام هو دين الحرية فقد قال بعدم إمكانية فصل الحرية في أميركا عن حرية إقامة الشعائر الدينية. وهو سبب وراء وجود مسجد في كل ولاية من الولايات المتحدة، ووجود أكثر من 1200 مسجد داخل حدودنا، وأيضاً السبب وراء خوض الحكومة الأميركية إجراءات المقاضاة من أجل صون حق النساء والفتيات في ارتداء الحجاب ومعاقبة من يتجرأ على حرمانهن من ذلك الحق.

6- وبذا ربط أوباما بين الإسلام وأميركا ربطاً عقلانياً محكماً حين قال: «ليس هناك أي شك من أن الإسلام هو جزء لا يتجزأ من أميركا. وأعتقد أن أميركا تمثل التطلعات المشتركة بيننا جميعاً، بغض النظر عن العرق، أو الديانة، أو المكانة الاجتماعية، ألا وهي تطلعات العيش في ظل السلام، والأمن، والحصول على التعليم، والعمل بكرامة، والتعبير عن المحبة، التي نكنها لعائلاتنا ومجتمعاتنا وكذلك لربنا. هذه هي قواسمنا المشتركة، وهي تمثل أيضاً آمال البشرية جمعاء».

-2-

إذن كان انضمام أميركا إلى رابطة العالم الإسلامي، على هذا النحو أول وأكبر المكاسب. فلم تعد أميركا من خلال هذا الخطاب، كما تصفها السلفية الجهادية والأصولية النضالية «الشيطان الأكبر»، إنما هي الآن رمز الخير الأكبر، مادام هذا تاريخها، وهذا حاضرها كما وصفه أوباما.

وهكذا كانت أميركا هي الرابح الأكبر في هذا الخطاب التاريخي، أما الخاسرون فهم:

1- السلفية الجهادية بقيادة تنظيم «القاعدة»، الذي فقد الآن كل المبررات لمهاجمة أميركا من جديد على غرار ما فعل في 11 سبتمبر 2001. وهذا ما أكده أوباما حين قال: «لقد استغل المتطرفون الذين يمارسون العنف التوترات في قطاع صغير من العالم الإسلامي بشكل فعال. ثم وقعت أحداث 11 سبتمبر 2001، واستمر هؤلاء المتطرفون في مساعيهم الرامية إلى ارتكاب أعمال العنف ضد المدنيين الأمر الذي حدا بالبعض في بلدي إلى اعتبار الإسلام معاديا لا محالة ليس فقط لأميركا وللبلدان الغربية إنما أيضا لحقوق الإنسان. ونتج عن ذلك مزيد من الخوف وعدم الثقة».

2- كل الفصائل الدينية المسلحة الداعية إلى الكفاح المسلح، بما فيها «حزب الله»، و«حماس»، و«طالبان»، و«القاعدة»، وغيرهم.

3- الدينيون المتشددون والمتطرفون عموماً الذين لن يتسامح معهم أحد كما قال أوباما: «لا ينبغي على أحد منا أن يتسامح مع أولئك المتطرفين. لقد مارسوا القتل في كثير من البلدان. لقد قتلوا أبناء مختلف العقائد ومعظم ضحاياهم من المسلمين. إن أعمالهم غير متطابقة على الإطلاق مع كل من حقوق البشر، وتقدم الأمم، والإسلام. وينصُ القرآن الكريم، على أن «من قتل نفساً بغير حق، أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاًً».

* كاتب أردني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top