بلاغة شف سبعينيات الزمن الجميل والرشيد
أمس الأول كان يوماً مميزاً بمعنى الكلمة، فقد جمعت إدارة جامعة الكويت قدامى خريجيها من دفعات 1975 ـ 1978، وقدّر الله أن نكون معهم، فأعادتنا المناسبة إلى تلك الأيام الجميلة بعد حوالي 35 سنة... أيام كان لكل شيء قيم وأخلاق... قيم في الاختلاف، وأخلاق في التخاطب، وطموح جامح، ومسؤولية ذاتية تفرضها إرادة الفرد على نفسه... إنه الزمن الجميل، زمن سبعينيات القرن الماضي، زمن الاختلاط الذي لم يولد فساداً كالذي يعيشه جيل العزلة هذه الأيام... زمن الكبار والرموز والأعلام، فقد كانت الجامعة بيتاً لكبار الأساتذة والمفكرين في كلياتها الأدبية والعلمية، وكان طلبتها ركنا من أركان القيادة الفكرية والثقافية والسياسية في المجتمع.
كان الزمن جميلاً، فلم تدخله جحافل الغزاة، ولم تخّيم عليه قوى الظلام، ولم يتغلغل فيه الفساد ولم يسرِ في عروقه كاليوم... زمن لم نعرف فيه صراعاً بين سني وشيعي، أو حضري وبدوي. سبعينيات القرن الماضي جسدت معنى الوحدة الوطنية وأصَّلت قيمها التاريخية التي توارثناها حتى جاء العقد الأول من القرن الحالي، ليقطع أوصالَها ويفتت نسيجَها.أبدع وزير العدل العراقي الذي كان ضمن المدعوين مع وزير أردني وهما من خريجي الجامعة، حين وصف تلك المرحلة، وقال إن الكويت كانت مصنعاً للقادة والمفكرين والرموز، وذكر واقعةً طريفةً حين حضر أحد اجتماعات وزراء العدل العرب فكان بينهم ثلاثة وزراء من خريجي جامعة الكويت. حين نسترجع تلك الأيام، تعترينا الحسرة ويكسونا الأسى، فشتان ما بين الزمنين، الزمن الجميل، والزمن الرديء.* العم محمد الرشيدجميلة تلك الكلمات التي كتبها كثيرون في رثاء المرحوم العم محمد الرشيد، وجمالها يكمن في صدقها وبساطتها وفي ما سطرته من معلومات قد لا يعرفها البعض، وخاصة أبناء هذا الجيل. فالعم أبوأحمد كان يمثل الكويتي ببساطته وصدقه ونقاء ضميره وصفاء نفسه وبياض يديه... هذه البساطة لم تجعل منه سياسياً يجيد فن التلوّن والمراوغة والمهادنة، ولم تؤهله شخصيته لإجادة فنون المناورة، فقد كان واضحاً مباشراً لا ترده أي حواجز، ولا تصده أي موانع في الوصول إلى ما يريد قوله، ولا يحسب حساباً لغير ضميره وأمانته، كان مثالاً لرجالات «الزمن الجميل» ورمزاً من رموزه، وذات مرة سألت الأخ الدكتور أنس الرشيد عن موقف الوالد - رحمه الله - من قضية تزوير انتخابات 1967 وقصته حين حاول أن يحمي بعض الصناديق أثناء نقلها، فأكد لي أن لديه كل التفاصيل، وربما بعض الصور، فأتمنى ألا يبخل الأخ الدكتور أنس على محبي والده والباحثين بإطلاعهم على تلك الوقائع، فهي تستحق النشر مثلما يستحق العم «بوأحمد» أن يطلع الناس على مزيد من تفاصيل تاريخه الوطني الصادق النقي... رحمك الله يا أبا أحمد.