ان هذه اللغة العدائية المتوترة المتشنجة المتعصبة المشوشة والمشوهة للفكر النقدي الحر التي اتبعها العوضي لن تفلح في التواصل والتحاور والإقناع ما لم تتمكن من تبني خطاب أكثر رقيا وحضارة وأخلاقا.

Ad

استخدم مولانا محمد العوضي الناشط في مجال «تعزيز الأخلاق» كل أدوات التسفيه والتحقير والتشويه والاستهزاء في مقاله الذي عنونه بـ«إسهال كاتبة «الراي»... ونجاستها»... وهو مقال بعيد عن الموضوعية والنقد البناء والحوار العقلاني بعد كوكب بلوتو عن الأرض، ناهيك عما استخدمه من ألفاظ ونعوت يشمئز منها أكثر الناس قساوة ورعونة.

تهجم الشيخ على الكاتبة السعودية صاحبة الفكر الحر نادين البدير، وأقول تهجم لأن هناك فرقا كبيرا بين النقد والتحليل الموضوعي وحتى الكتابة الساخرة، وبين التهجم والتحقير والإساءة الشخصية، وهي وسيلة كل فاقد للحجة وسلاح كل ضعيف في مهارات التواصل والتحاور والتفكير النقدي، وإن كان مبدعا كشيخنا في فن الإثارة والاستفزاز والاشمئزاز والاستعراض لجذب الجماهير وإثارة فضولهم.

يقول الشيخ إنه أضاع دقائقه الغالية في قراءة مقالات الكاتبة نادين البدير ليكتشف «عجبا أن هذه المرأة كاتبة» لمجرد أنها قالت رأيها بكل جرأة... ليرد عليها ويضيع دقائق القراء الغالية ويكتب مقاله الذي لا يحوي إلا على كلمات قاسية وجارحة وحاقدة وشخصانية، بعيدة كل البعد عن النهج النقدي الموضوعي العقلاني، حيث يقول بكلمات خادشة للحياء «والعجيب أنها تكتب بإسهاب وإسهال لفظي ليتراكم الجهل ويتنوع، وفوق هذا فإنها تطرح الأغاليط والخرابيط بثقة تامة ويقين»... مسهبا بهذا الشعور العالي من الاستعلاء وتزكية النفس التي نهى عنها القرآن الكريم «فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى»... فشيخنا المنقذ يقول «لذا وجب إنقاذها عن طريق العلاج بالصدمة ولكي ينبهها إلى مخزوناتها الجاهلة»... وهو على يقين «أنها في حاجة ماسة لجلسات إرشاد نفسي»!!

في الواقع، لم أجد تفسيرا لتلك الحالة من الهيجان والاحتقان إلا في وصف الدكتور سامر رضوان، المتخصص في علم النفس الإكلينيكي، للعقلية النرجسية التي تتميز «بالتعجرف والنقص في التعاطف مع الآخرين وفرط الحساسية تجاه آراء الآخرين. فهم لا يستطيعون تقبل آراء الآخرين.. ويعتقدون أن وظيفتهم ضبط الأمور تحت سيطرتهم لأنهم على حق والآخرون على خطأ.. ويسفهون آراءهم ويقللون من قيمتها وأهميتها... ويمكنهم أن يمتلئوا بالغيظ والغضب على أي شخص لمجرد أنه له رأيه الخاص أو لا يريد أن يكون تابعاَ لهم يدور في فلكهم».

أما الجهل المركب، أي الجهل بالجهل، فهو يتجسد في استهزائه بما قالته الكاتبة نادين البدير بكل تواضع وصراحة في إحدى مقالاتها أنها «لا تعلم» إذ يقول «كم هي مصيبة شارع الصحافة ومهنة الكتابة عندما تعترف الكاتبة بجهل ثم ترشد بنات جنسها بغرور مفرط».. وهو بذلك يجهل أن فلسفة التنوير التي ورثها الأوروبيون عن اليونانيين لم تقم لها قائمة إلا حين اعترفت بمنطق سقراط، وهو الاعتراف بالجهل، وإقرارهم بنواقص وأخطاء التاريخ البشري التي تستدعي بكل تواضع المراجعة والتصحيح... وأن سبب فشلنا هو في اعتقادنا بالكمال ووهم الحقيقة المطلقة.

يختم شيخنا الفاضل حديثه عن الكاتبة المحترمة بقول الشاعر:

«إن عادت العقرب عدنا لها... وكانت النعل لها حاضرة»!!.

ولا غرابة فتلك هي العقلية الدوغمائية المخاصمة لكل أدبيات الاختلاف والخلاف. هذه اللغة العدائية المتوترة المتشنجة المتعصبة المشوشة والمشوهة للفكر النقدي الحر لن تفلح في التواصل والتحاور والإقناع ما لم تتمكن من تبني خطاب أكثر رقيا وحضارة وأخلاقا.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء