عباس بيضون انهض البحر في انتظارك
الحادث الذي تعرض له الشاعر عباس بيضون ونجا منه بمعجزة مؤلم ومقلق. أووه... هذا كثير لم نعد نحتمل قلتُ في سري. ها هي مركبة تافهة تصدم شاعراً يعشق المشي في شوارع ليل بيروت، ربما كان القدر بجانب عباس هذه المرة، القدر الذي سيرتفع ليصبح في مرتبة الملاك الحارس. الغريب أن في ليلة الحادث هاتفته من مسقط، لم يجب أحد فاعتقدت أنه مسافر ربما. لم أعلم بالحادث إلا في صباح اليوم التالي عبر الصحافة ووسائل الإعلام، هاتفته في تلك الليلة لأخبره أنني أرسلت إليه العدد الأول من مجلة «البرواز» المعنية بالفنون البصرية، وكنت قد حدثته في لقاءاتنا في بيروت وفي أول زيارة له لمسقط عن مشروع المجلة، وكان متحمساً ووعدني بالمساهمة فيها، على أي حال اتصلت به بعد الحادث لأطمئن عليه، رد أحد أفراد أسرته بأنه في غرفة العناية الفائقة، وأن حالته مستقرة رغم إصابته بكسور ورضوض في أنحاء مختلفة من جسمه، يا إلهي يا عباس لم حدث ذلك! كيف سنقرأ زاويتك الأثيرة «إشكال» في السفير، مقالاتك الإشكالية أيضاً في الملحق الثقافي ليوم الجمعة، غير أنك ستقوم بالتأكيد، ستنهض من السقطة ومن هذه المصادفة العجيبة والمؤلمة، الأمل يقول لي ذلك، المحبة تنبئني بأنك تسمع الآن هذا الكلام القادم من أصداء جبال مسقط، تسمع وتبتسم، الشعر أيضاً يقول لك انهض فهو يعترف بأنه يحتاج إلى قوة دفع إضافية فلا تخذله. كل شيء يقول إن جسدك سيحملك مجدداً إلى جولاتك الأثيرة في الشوارع وفي المقاهي ومقر الصحيفة التي تعمل فيها. أذكر أن لقاءنا الأخير كان في بيروت في الـ»بلو نوت» مع أصدقاء آخرين، ولا أذكر السبب الذي حملنا لنتحدث عن عبثية الحياة وعن الوجودية، عن نيتشة وهيدجر وفكرة تخلي الآلهة عن الإنسان المقذوف في هذا الكون، لكننا لا نحتاج إلى الحديث عن هذا الآن، بل لا نحتاج إلى تذكر ما قيل في تلك الليلة، إننا ببساطة نحتاج إلى الإيمان بقلب دافئ بأنك ستغادر قتامة السرير والمستشفى، ستغادر حياة اللون الأبيض ليستقبلك أحباؤك وأصدقاؤك والشوارع التي تحبها بمهرجان من الألوان، انه موسم الصيف على أي حال، نحتاج إلى صلابة الرجاء، الرجاء الذي يُخيف العتمة ويقرب اللؤلؤ إلى الضوء والأحلام. يكفي أنك خبرت الألم وتمرنت عليه هذا بالفعل يكفي.
- عباس بيضون، الرجاء قف على قدميك البحر في انتظارك.