علم الرغم من كثرة الخلافات والانقسامات التي تشهدها الساحة السياسية على الصعد الاجتماعية والفكرية والمناطقية، وتبعاً للمواقف والمواقع السياسية، فإن ثمة انقساما آخر يحمل قوة تدميرية مخيفة من الداخل بدأ يبرز على السطح وبقوة.

Ad

ولست بصدد تقييم حجم مثل هذه الانقسامات ومقارنة درجات خطورتها، إلا أنها ودون عناء من التفكير تساهم في نخر النسيخ الوطني الهش بالأصل، فالخلاف الشيعي-السني مخيف وخطر، كما الانقسام الحضري–البدوي، والصراع الطبقي من جهة أخرى بات يهدد بضمور الطبقة المتوسطة التي تعتبر العمود الفقري لاستقرار المجتمع اقتصادياً وسياسياً وحتى أمنياً، والصراع داخل أسرة الحكم بلاشك يضعف هيبة الدولة، والخلافات المستعرة بين التيارات السياسية بالتأكيد تعرقل النضج السياسي وتوقف حركة التطور الديمقراطي، ومثل هذه المشاكل حقيقية وقائمة ولا يمكن إنكارها، وبات الجميع يستشعر نتائجها وانعكاساتها الحبلى بروح الإحباط والاستسلام لليأس، وكل من هذه الملفات بحاجة ماسة إلى التشخيص والمعالجة الجذرية.

ولكن الطامة الكبرى أنه ومع وجود هذه المشاكل المفصلية بات انقسام آخر يطل برأسه بوضوح ويستمد قوته عبر الذراع القانونية، ويعزز وجوده استناداً إلى أحكام القضاء، الأمر الذي يترتب عليه مراكز قانونية ورسمية متناقضة ومتعارضة من شأنها أن تصيب البلد بالشلل والعجز الكلي.

ومثال ذلك ما يجري على خلفية الساحة الرياضية حيث أثمر الخلاف، الذي بدأ سياسياً وشخصياً ومصلحياً وكصراع نفوذ، وأمام ضعف القرار الحكومي لسنوات عدة وترددها في حسم الأمور، ظهرت كيانات ومسميات ومناصب متكررة ومتناقضة تماماً في كل شيء، ويدعي فيها الجميع الشرعية القانونية والمدعومة بالأحكام القضائية.

واليوم لعلنا الدولة الوحيدة في العالم التي لديها رئيسان للهيئة العامة للشباب والرياضة، ورئيسان لاتحاد كرة القدم، ورئيسان ومجلسان لإدارة أكثر من نادٍ رياضي وبموجب أحكام قضائية نهائية محلياً ودولياً، ومثل هذا الوضع أسدل وشاحاً أسود وقاتماً على مجمل الحالة الرياضية، ناهيك عن الضرر الأكبر الذي لحق بالشباب الرياضي والعزوف الكبير من الاستمرار في هذا الميدان، وهذا يعني ببساطة شديدة الخسارة الفادحة في أهم شريحة من المورد البشري.

والخطورة الكبرى لما يحدث في الوسط الرياضي تتمثل في بعدين إضافيين: الأول أن هذا الانقسام القانوني من شأنه أن يجر معه الانقسامات الكثيرة والمتنوعة التي أشرنا إليها في المقدمة واستغلالها لتعزيز المواقع وزيادة الرصيد العددي، وهذا ما قد يقود إلى استمرار نزيف لحمة النسيج المجتمعي وإضعاف الجبهة الداخلية أكثر فأكثر، وتكريس الولاءات لأفراد وكيانات بدلاً من الولاء المشترك للوطن.

والبعد الثاني في الأزمة الرياضية وتبعاتها يتمثل في احتمال انتقال عدواها إلى مواقع أخرى في الدولة، قد تكون أخطر وأكثر حساسية، فالصراع على المناصب والمنافسة على الهيمنة على مراكز القرار على أشده، والحرب في دهاليز القضاء على هذه المراكز دائرة، وإذا ما تكررت تجربة الرياضة ونجحت في اختراق بعض الأجهزة الحكومية الأخرى ذات القرارات السيادية والاستراتيجية فعندئذ تكون الكارثة، وعندها سوف ندخل في دوامة «الدبل آكشن السياسي»!!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة