لعلكم لاحظتم خلال الفترة الماضية أني كتبت أكثر من مقال تناولت فيها رموز التكتل الشعبي، وقد حرصت على أن أضع في باطنها دوماً عبارات وإشارات تتناول التكتل الشعبي كتيار، على أمل أن تفتح بابا لنقاش إثر تعليق من هنا أو هناك لأحد مريدي التكتل الشعبي، ولكن خاب أملي حيث انشغل هؤلاء بالدفاع عن رموزهم المفضلين من دون أن يلاحظوا تلك العبارات التي تناولت التيار ككل، والذي هو الأهم في نظري!

Ad

تأكدت بعدها من اعتقادي السابق، وهو أن التكتل الشعبي بعيد حتى اللحظة عن أن يكون جماعة سياسية ناضجة راسخة بقدر كونه جماعة ملتفة حول رموز، لو انفضوا لسبب من الأسباب أو رحلوا لما بقي منها شيئا على الإطلاق!

حين كتبت عن النائب العزيز مسلم البراك، هوجمت من زاوية تكاد تكون واحدة لجميع المهاجمين، وهي نظافة كف مسلم وشجاعته، وهي الزاوية التي لم أكن في حاجة إلى أن يذكرني بها أحد، لأني أشهد بها قبلهم، فلولاها لكانت فضائح مسلم ملء الصحف والمجلات والمنتديات، لأن رجلاً له هذا القدر من الخصومات والمعارك، ومن أعدائه مَن هم أسقط من سقط الأرض، ويمتلكون أدوات إعلامية وقنوات، ما كانت لتترك سجلاته دون تنقيب وتقليب بحثاً عن ذرات الأخطاء والهفوات، وحين كتبت عن النائب الفاضل أحمد السعدون هوجمت كذلك من زاوية تكاد تكون واحدة أيضا، وهي رمزيته وعراقته وأياديه البيضاء بما قدمه لهذا الوطن عبر سنوات عمره الحافل في العمل السياسي، وهو أمر لا ينكره إلا جاحد، وحتى أعداء السعدون وخصومه يسفون التراب سفاً إن هم تجرؤوا عليه!

يجدر بعشاق رموز التكتل أن يتوقفوا ليتساءلوا: ماذا سيكون حال التكتل حين ترحل الرموز؟... فالسعدون ومسلم هم بشر في نهاية المطاف، وقصر الزمان أو طال، سيغيبون عن المشهد السياسي، فماذا سيكون بعد؟! هل سيجلس هؤلاء يتحسرون على الأمجاد الذهبية كما يتحسر عشاق الكرة اليوم على زمن جاسم يعقوب والدخيل والعنبري وفتحي كميل؟!

الموضوع الذي كنت أدور حوله في مقالاتي السابقة على أمل أن يثار، وأجدني مضطراً إلى إثارته اليوم، هو مدى أحقية التكتل الشعبي ليكون تيار المستقبل، التيار السياسي المعارض الحقيقي، في ظل انهزام فكرة الأحزاب أو لنقل تعثرها، على أرض واقع كويتي يبدو أنه غير جاهز لها في المنظور القريب، وفي ظل تهاوي وانكماش التيارات السياسية الأخرى لظروف مختلفة. ما الذي قام به التكتل الشعبي على مستواه التنظيمي ليكون جاهزا للمرحلة المقبلة؟!

إن التعويل على الاستمرار في استخدام أسلوب الصوت العالي والمواجهات الشجاعة الشرسة لن يجدي نفعاً، فهذا الأسلوب يحتاج إلى شخص بمواصفات خاصة اسمه مسلم البراك، ولا أرى في الأفق مَن يشابهه حتى من بعيد، وحتى لو كان هناك من هو كذلك، فهذا الأسلوب ما كان لينجح في تسويق فكرة التكتل الشعبي عند الجمهور المثقف الذي لا يؤثر فيه ذلك إلا بوجود المحتوى، دون إسناد من رمزية السعدون وطروحاته، وهي التي كانت تحمي ظهره وتشكل له العمق السياسي والثقل "الايديولوجي" إن جاز الاصطلاح.

إن المستقبل في حاجة إلى تيار سياسي ثقيل على الصعد المختلفة؛ على الصعيد السياسي بأجندة ورؤية متكاملة لشكل المستقبل، وعلى الصعيد الاقتصادي بخطة ثقيلة، وعلى الصعيد الاجتماعي والتنموي وغيرها، برؤى واضحة متكاملة، فهل لدى التكتل الشعبي شيء من هذا؟ عدا الاستناد إلى رؤى السعدون التي صرنا نراها وقد ارتبطت أخيراً بقاعدة "لكل حادث حديث"!

هل استعد التكتل الشعبي بكوادر متخصصة جاهزة لمواجهة المستقبل، سيدفع بها إلى المشهد السياسي أم أنه سينتظر ما تجود به "الفرعيات"، والتي هي بالمناسبة قضية تحتاج من الشعبي إلى رأي صريح مباشر عنها؟! هل لدى التكتل الشعبي القدرة، أو ربما الرغبة، ليكون تيار المستقبل البديل القادر على تشكيل حكومة مثلا، في مستقبل ضبابي غائم مفتوح على كل الاحتمالات، أم أنه قانع بلعب دور الشجاع الشهم النظيف، الضروري في كل الأفلام ليعطيها "أكشن" وحلاوة، ولكن ليس إلى حد إدارة كامل الحبكة الرئيسية؟!

أنا، والله على ما أقول شهيد، من محبي السعدون ومسلم، ومشجعيهما، لكنني لا أشجعهما مثلما كنت أشجع نادي القادسية حين كنت صغيراً، لأن كل من حولي يشجعونه، ولا ندري ما الطبخة، وإنما أحبهما وأشجعهما لأني أرى فيهما أملاً لتيار سياسي نظيف شجاع، في زمن عز فيه مثل هذا النموذج. تيار يحوز على رضا شعبي مقنع يخوِّله لأن يكون صيغة سياسية موازية نسافر بها باطمئنان إلى المستقبل. وأنتقده، حباً فيه، حين أراه يصر على أن يبقى راتعاً في عدم النضوج والغوغائية وطيش الشباب، ومستفزاً من تحركات الآخر، ومأخوذاً بردود الأفعال وصيحات الجماهير غير الحصيفة، ولا المدركة لمجريات ما يحصل على أرض الملعب ولا حتى لأصول اللعبة في كثير من الأحيان!

هذا هو حبي للتكتل الشعبي، وهذا هو أملي به وله، وهذا هو مرادي، والله أعلى وأكمل.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء