التأجيج الطائفي والدور الحكومي المفقود
إن المطلوب وبشكل عاجل هو الإدانة الرسمية والشعبية لمواقف وتصرفات مثيري الفتنة الطائفية من الأطراف كافة، ثم التوافق الوطني على خطة منهجية عملية لكيفية مواجهة خطر الاقتتال الطائفي الذي قد يكون صامتا في هذه المرحلة لكنه سيمهد الطريق، إن لم تعالج أسبابه الرئيسة.مما لا شك فيه أن للتوترات الإقليمية المتسارعة دورا بارزا في ازدياد حدة التجاذب الطائفي في مجتمعنا التي وصلت مع كل أسف لدرجة خطيرة، لا يجب السكوت عنها أو التقليل من شأنها، إذ إنها من الممكن أن تتطور فجأة بشكل يصعب التحكم به. فالحديث عن أن وضعنا المحلي مختلف عن وضع الدول التي نشبت فيها صراعات طائفية دامية هو حديث فارغ وغير مسؤول لا يستقيم مع منطق أو عقل. صحيح أن لنا «خصوصيتنا» ولكن تسارع التوترات الإقليمية المحيطة بنا، ووجود بذور الفتنة الطائفية وجاهزية من لديه الاستعداد من الطرفين في أن «يشعلها»، فضلا عن قصر نظر وعدم مسؤولية بعض الأطراف السياسية المحلية التي تعتقد أنها ستستفيد من حالة الاستفزاز الطائفي البغيض، تستدعي، كل ذلك، أن يكون هنالك موقف رسمي وشعبي حاسم وسريع للحيلولة دون اشتعال الفتنة الطائفية التي من الممكن أن تبدأ من «مستصغر الشرر».
فمن الملاحظ أن التحرك الحكومي لايزال متواضعا ولا يتماشى مع الدرجة المتقدمة والخطيرة التي وصلت إليها الفتنة الطائفية مع أنه من المفترض أن يكون للحكومة في هذا الوقت بالذات موقف حاسم وسريع ومعلن بشكل لا يحتمل اللبس أو التأويل. صحيح أن هناك بعض التصريحات الحكومية المسؤولة التي عبرت عن رفضها المطلق للتأجيج الطائفي، ولكن خطورة الأوضاع الإقليمية الملتهبة وازدياد حدة التأجيج الطائفي في المجتمع تتطلب أن تبادر الحكومة لإعلان سياستها وموقفها الحاسم بشكل واضح، ثم تتقدم بخطة عملية تبين فيها كيفية مواجهة مسببات التأجيج الطائفي، وما قد ينتج عنه من تبعات غير محمودة.أما على المستوى البرلماني فإنه من الملاحظ أن بعض أعضاء المجلس لايزال يحاول وبشكل فج وسمج وغير مسؤول التكسب السياسي من الوضع الطائفي المتوتر حتى لو أدى ذلك إلى اشتعال الفتنة الطائفية في المجتمع، والبعض الآخر من الأعضاء يغلب على مواقفهم الكثير من الضبابية وعدم الوضوح مع أن المفترض أن تكون مواقف الأعضاء تجاه التناحر الطائفي جريئة وواضحة، وأن تتسم تصريحاتهم الصحافية وتصرفاتهم في هذا الوقت الحرج بالكثير من الحكمة والحصافة السياسية، لا سيما أن ممارسات أعضاء المجلس ومواقفهم ستساهم إن سلبا أو إيجابا في التأجيج الطائفي، لذلك فإنه من المطلوب عدم إطلاق العنان للتصريحات الصحفية العنترية غير المسؤولة أو المبالغة في ردات الفعل التي قد تحقق بعض المكاسب الانتخابية الآنية، لكنها حتما ستكون على حساب استقرار الوطن وتماسكه الاجتماعي. كما أنه من الملاحظ أيضا عدم تحرك أغلب منظمات المجتمع المدني لوأد الفتنة الطائفية التي بدأت تستعر مع أن دورهم الوطني مطلوب في هذه المرحلة الحساس. لذلك فإن المطلوب وبشكل عاجل هو الإدانة الرسمية والشعبية لمواقف وتصرفات مثيري الفتنة الطائفية من الأطراف كافة، ثم التوافق الوطني على خطة منهجية عملية لكيفية مواجهة خطر الاقتتال الطائفي الذي قد يكون صامتا في هذه المرحلة لكنه سيمهد الطريق، إن لم تعالج أسبابه الرئيسة، لكي يتحول ولو بعد حين إلى صراع مكشوف، لا سيما أن هنالك بؤر توتر طائفي حاد في الدول المحيطة، وعندئذ فلن يكون هنالك طرف رابح، فالكل سيكون خاسرا وأولهم الوطن. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء