من يتابع سير الأحداث في بعض الدول الإسلامية يلاحظ أنه لا يكاد يخلو أسبوع من عمليات انتحارية في العراق أو باكستان أو اليمن أو الصومال، وهذا يعني أن ثقافة الانتحار منتشرة بين التيارات الإسلامية المتطرفة التي تنتشر في هذه الدول، وهي ثقافة يمكن إرجاعها في التاريخ الإسلامي إلى القرن الأول الهجري من خلال الخوارج الذين كانت الصفة الغالبة عليهم التشدد الديني إلى حد تكفير من يخالفهم في الرأي، والاستعداد للتضحية بالنفس دفاعاً عما يعتقدون، حتى أن جيش الخوارج في معركة النهروان التي خاضوها ضد جيش الإمام علي، حيث كان عددهم يربو على أربعة آلاف لم يتبق منهم سوى تسعة، لأنهم كانوا يقاتلون بطريقة أقرب إلى العمليات الانتحارية.

Ad

أما ظاهرة العمليات الانتحارية في الثقافات الأخرى فيعيدها المؤرخون إلى قصة شمشون المذكورة في العهد القديم حينما هدم المعبد ليقتل أعداءه، وهو كان من بين القتلى، ومنه ظهرت مقولة "هدم المعبد على من فيه"، أما في العصر الحديث فإن أول ظهور للعمليات الانتحارية كان في الحرب العالمية الثانية من خلال عمليات "الكاميكاز" الانتحارية التي كان يشنها الطياريون اليابانيون على سفن الأسطول الأميركي، وهناك أيضا العمليات التي كان يقوم بها متمردو التاميل في سريلانكا.

الفارق الرئيسي بين ظاهرة العمليات الانتحارية في التاريخ والعمليات الانتحارية التي يقوم بها المتطرفون المسلمون في العصر الحديث هو أن العمليات التي كان يقوم بها أولئك كانت ينفذها أناس يؤمنون بالهدف الذي يسعون إليه، وهي كانت توجه إلى العدو مباشرة، أما العمليات الانتحارية التي يقوم بها "المعتوهون" في الوقت الحالي فقسم كبير منها يتم من قبل أناس يريدون الانتحار لأنهم يائسون من الحياة، فوجدوا أن القيام بعملية انتحارية ربما يدخلهم الجنة كما أقنعهم فقهاء التطرف، ولسان حال المنتحرين أننا نعيش العذاب في الدنيا فلعل الانتحار ينقلنا إلى الراحة في العالم الآخر.

الأمر البشع في كثير من العمليات الانتحارية في هذا الزمان هو استخدام المتطرفين للنساء والأطفال، بل حتى المعاقين في تنفيذ العمليات الدنيئة هذه. أما الأبشع في ذلك كله فهو استهداف المدنيين الذين لا ذنب لهم ولا جريرة كما يحدث في التفجيرات التي تستهدف الأسواق ودور العبادة.

الفكر المتطرف الذي يعتنق ثقافة الانتحار لتحقيق مآربه هو الخطر الأكبر الذي يتهدد المجتمعات الإسلامية، وما لم يتم التصدي له بدءاً من المدارس والمساجد، فإنه سيكون وبالاً على الجميع.

***

تعليق: حتى موعد كتابة هذا المقال لم يخرج علينا مصدر مسؤول يوضح حقيقة ما نشرته بعض الصحف المحلية عن اكتشاف خلية مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني. من غير المقبول أن يستقي المواطن معلومات عن موضوع بهذه الخطورة من أخبار صحفية، فإذا تأكد خبر اكتشاف الخلية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، فإن ذلك يعد إنجازاً للأجهزة الأمنية، أما على المستوى السياسي فسيكون له تأثير سلبي للغاية على العلاقات الكويتية الإيرانية، لأنه سلوك غير مقبول على الإطلاق من قبل الإيرانيين، وهي غلطة شنيعة ستكلفهم كثيراً.