لو أن الرئيس (المؤمن)، محمد أنور السادات، رحمه الله، نهض من مثواه الأخير ورأى أن الولايات المتحدة تشارك كل هذه المشاركة الفاعلة حقاً في عملية سلام الشرق الأوسط لحمد الله مثنى وثلاث ورباع، قبل أن يغمض عينيه ويكمل غفوته الطويلة، فهو الذي قال بعد حرب أكتوبر عام 1973، بينما كان يشدُّ الرحال إلى كامب ديفيد، إن أكثر من تسعين في المئة من أوراق هذه المنطقة في يد أميركا، لكن حتى الذين شاركوه في تلك الحرب لم يصدقوا ما قاله، بل إنهم لجأوا إلى التشكيك في وطنيته وتشويه صورته.

Ad

والآن، وبعد أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، وبينما تنخرط الولايات المتحدة في المفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين على هذا النحو الفاعل والجاد، فإنه من حق الذين كانوا قد تفهموا وجهة نظر السادات أن يرفعوا أكفهم نحو السماء ويبتهلوا إلى الله أن يرحمه الرحمة الواسعة، فقد كان صاحب نظرة ثاقبة والقائد الذي يستحق موقع الريادة بالنسبة لشعبه وبالنسبة لأمته، وهو الذي كان يستطيع رؤية المستقبل، لا بعينيه بل بقلبه وعقله وبأفكاره وتصوراته النيرة.

إن المؤكد أن كثيرين، حتى على مستوى القادة، لم يكونوا يتصورون أن تنبؤات السادات واستشرافاته سوف تصدق، وأن الولايات المتحدة علاوة على أنها صاحبة مصالح حيوية في هذه المنطقة، ستصبح دولة شرق أوسطية من خلال كل هذا الوجود العسكري في العراق، وفي عدد من دول الخليج، وفي أفغانستان، وفي عدد من الدول الإسلامية التي كانت في سبعينيات القرن الماضي جزءاً من الاتحاد السوفياتي الذي كان رونالد ريغان وحده تنبأ له بأنه على طريق الانهيار، وأن انهياره المحتم سيكون خلال فترة قريبة، وهذا ما حصل فعلاً بعد عشرة أعوام فقط.

لا شك في أن السادات، بعبقريته القيادية، وهذا قد يغضب بقايا الناصريين في مصر والوطن العربي، كان قد رأى ببصر ثاقب وببصيرة واعية أن الاتحاد السوفياتي ذاهب إلى الانهيار، فبادر إلى فك العلاقة السابقة معه مبكراً، كما كان قد رأى أن الولايات المتحدة ستحتل موقع القطب الأوحد في العالم، وأنها ستمتلك معظم أوراق الشرق الأوسط، فأطلق تلك الدعوة التي طالب فيها بأن تكون «أميركا» شريكاً رئيسياً في مفاوضات كامب ديفيد وفي كل مفاوضات عملية السلام اللاحقة.

وهنا، فإن المستغرب حقاً أن يكون هناك من لايزال غير مدرك لهذه الحقيقة، ولذلك فإننا نسمع كل هذا الشجب الرسمي والمنظماتي والفصائلي للمفاوضات غير المباشرة التي بدأت يوم الأحد الماضي بمشاركة أميركية فاعلة، وكل هذا بينما بذل عرب الاعتدال الذين أيديهم في نار القضية الفلسطينية جهوداً جبارة لإقناع الولايات المتحدة بأن السلام في الشرق الأوسط هو مصلحة حيوية واستراتيجية لأميركا، وأن التلاعب الإسرائيلي بهذه المسألة يهدد هذه المصلحة الحيوية، وبخاصة بعدما أصبح للأميركيين كل هذا الوجود البشري في هذه المنطقة التي تمتد حتى حدود الصين وحتى عمق الاتحاد السوفياتي السابق.