إعادة الهيكلة... ضرورة حتمية
من المفترض أن تتولى الحكومة قيادة عملية التنمية سواء في التخطيط أو التنفيذ أو الرقابة الداخلية والمتابعة وتقييم النتائج، لأنها هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن إدارة الدولة، وما الدور الذي يقوم به القطاع الخاص إلا دور مكمل لما تقوم به الحكومة، خصوصاً في ظل نمط الاقتصاد الريعي ومحدودية السوق وضعف القطاع الخاص الذي تتركز الأغلبية العظمى من أنشطته في الخدمات والمضاربات الاستثمارية والعقارية السريعة الربح، ناهيك عن اعتماده في الأساس على الإنفاق الحكومي والمعونات السخية التي توفرها الدولة له.لذلك فإن إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة بشكل جذري تصبح ضرورة حتمية لا تحتمل التأجيل لأن الجهاز الإداري للدولة في وضعه الحالي سيكون عبئاً إضافياً وعائقاً رئيسياً أمام تنفيذ أي خطة تنموية مهما كانت متواضعة، فما بالنا إن كان هذا الجهاز مسؤولاً عن تنفيذ أو حتى الإشراف على تنفيذ مشروعات كبرى خلال السنوات الأربع القادمة التي تبلغ تكلفتها الإجمالية 37 مليار دينار، أي ما يعادل 130,000,000,000 دولار تقريباً!
وغني عن البيان أن عملية إعادة هيكلة الجهاز الإدري للدولة هي في الأساس قرار سياسي وليست قراراً إدارياً، لأنها من المفترض أن تكون جزءاً من عملية إصلاح سياسي شامل يبدأ بالاعتراف الحكومي بعدم إمكان استمرار الوضع الحالي ثم القيام بتقديم مشروع متكامل يحتوي على رؤية واضحة والتزام تام بعملية تغيير وتجديد الإدارة العامة عن طريق إعادة هيكلة شاملة تصلح الاختلالات الهيكلية التي تعانيها أجهزة الدولة، على أن يرافق ذلك عملية "إعلان حرب" فورية على قضايا الفساد الإداري والمالي المنتشرة في أجهزة الدولة ومحاسبة المفسدين من خلال تطبيق نظام دقيق وشفاف للمساءلة الإدارية والقانونية أيضاً. ويتبع ذلك عملية تغيير شامل في القيادات الإدارية من خلال تنظيف الجهاز الإداري من القيادات الفاسدة التي انتهت صلاحيتها وضخ دماء جديدة تكون قادرة على القيام بالأعباء التي تتطلبها عملية التنمية، خصوصا إذا ما عرفنا أن أغلب قيادات الجهاز الإداري الحالية قد أدت كل ما يمكنها أن تؤديه ولم تعد قادرة الآن على إضافة أي جديد، مع شرط وجود سياسة شفافة وعادلة لكيفية اختيار القيادات الإدارية التي تراعي مبادئ الكفاءة والنزاهة وتكافؤ الفرص، وتبتعد عما هو معمول به في الوقت الحالي، حيث إن تولية المناصب العامة تخضع، في الغالب الأعم، لاعتبارات غير موضوعية.إضافة إلى ذلك، من الضروري أن يكون هنالك التزام حكومي تام ومستمر بعملية تجديد الجهاز الإداري وإعادة هيكلته لأنه سيبرز هنالك، بالتأكيد، مقاومة شرسة لعمليتي التجديد والتغيير من قبل قوى كثيرة منتفعة ومعتاشة على الوضع الحالي المتردي للجهاز الإداري.أما المبالغة في أن عملية التخصيص (التحول إلى القطاع الخاص) هي "الحل السحري" لمشاكلنا التنموية فهي، في ظننا، مبالغة لا تخلو من المصلحة الذاتية، وهذا ما سنتوقف عنده في مقالات قادمة.