كما الضب والسحلية...
عندما نرى ممثلا للسلطة التشريعية يرمي أستاذا وقورا بمنفضة السجاير ويتلفظ بكلام لا يصلح حتى للشارع فلابد أن نقلق على أساليبنا التربوية ومناهجنا التعليمية. هل يشكل هذا النائب حالة شاذة؟ أم هو مجرد تجسيد آخر للشخصية الاجتماعية التي تفتقر للحد الأدنى من الإرادة والذكاء العاطفي؟
في الستينيات من القرن الماضي أجرى العلماء في جامعة ستانفودر تجربة تاريخية على أطفال في السنة الرابعة من أعمارهم عرفت بمسمى «The Marshmallow Experiment»، إذ وضع العلماء حبة حلوى أمام كل طفل وأعطوه خيار أن يأكلها مباشرة أو أن ينتظر 20 دقيقة ويحصل على قطعة إضافية، وتفاوتت ردود أفعال الأطفال، فمنهم من التهم القطعة مباشرة ومنهم من أبدع في إلهاء نفسه لمدة ثلث ساعة ليحظى بالقطعتين، وتابع العلماء هؤلاء الأطفال خلال فترة مراهقتهم ومن ثمة بعد تخرجهم وعملهم، وكانت النتائج المذهلة أن الأطفال الذين تحكموا بنزعاتهم وأظهروا قدرة على السيطرة على النفس كانوا الأعلى تحصيلا أكاديميا، والأنجح في حيواتهم العملية والاجتماعية.وحتى مطلع التسعينيات اعتقد العلماء أن قوة الإرادة والتحكم بالنزعات (Impulse Control) هي إحدى ملامح الشخصية التي يولد بها الإنسان، ولكن الأبحاث الحديثة أثبتت أنها مهارة يمكن لأي فرد أن يبنيها ويطورها، وتعتبر القدرة على التحكم بالنزعات إحدى أهم أبعاد الذكاء العاطفي/الوجداني الذي يعتبر اللبنة الأولى للنجاح الشخصي والعملي. أما الأغبياء عاطفيا والذين يفتقرون للقدرة على التحكم بنزعاتهم فتجدهم يأكلون ما يحلو لهم، ويصرفون أموالهم دون حساب، ويفزعون في المواقف دون دراسة، ويعبرون عن استيائهم بالصراخ، ويفرضون وجهات نظرهم بالعنف، ويسبون ويشتمون ويتلفظون بكلام يندمون عليه سريعا، وسبب تلك التصرفات الهوجاء أنهم لم يحصلوا على التدريب والتوجيه المناسبين للارتقاء بآلية عمل المخ بشكل يربط الانفعال العاطفي بالمنطق، فتأتي قراراتهم وتصرفاتهم بشكل عاطفي غريزي خال من أي اعتبارات منطقية أو أخلاقية أو اجتماعية أو سياسية، فالجزء المسيطر على التصرفات في هذه المخاخ هو الجزء البدائي من المخ والذي نشترك بتركيبته والزواحف.لذا عندما نرى ممثلا للسلطة التشريعية يرمي أستاذا وقورا بمنفضة السجاير ويتلفظ بكلام لا يصلح حتى للشارع فلابد أن نقلق على أساليبنا التربوية ومناهجنا التعليمية. هل يشكل هذا النائب حالة شاذة؟ أم هو مجرد تجسيد آخر للشخصية الاجتماعية التي تفتقر للحد الأدنى من الإرادة والذكاء العاطفي؟ مجتمع استهلاكي، انفعالي لا يفقه أسس التخطيط واتخاذ القرار؟كيف سنصنع أجيالا أذكى ذهنيا وعاطفيا إن كانت تلك هي حدود إمكانات المشرع؟ وكيف سنكسر هذه الحلقة المفرغة؟ ومتى ستصلنا دورة الارتقاء والتطور؟