الظاهر، وربما المؤكد، أن غزة ستبقى محاصرة، وأن أكثر ما يمكن أن يتحقق هو المزيد قليلاً من المواد الغذائية، والسبب هو أن الذين من المفترض فيهم أنهم أهل العرس، أي "حماس" والسلطة الوطنية، يريد كلٌ منهما أن يكون هذا الإنجاز، الذي ثمنه دماء الشهداء من إخوتنا ليس في العروبة وإنما في الإسلام، الذين ذبحهم الإسرائيليون ذبح النعاج على السفينة التركية "مرمرة"، تأكيداً وتعزيزاً لشرعيته، هذا مع العلم بأن العرب منذ عام 1974 لا يعترفون إلا بمنظمة التحرير ممثلاً شرعيّاً ووحيداً للشعب الفلسطيني.

Ad

"حماس" في الأساس أرادت أن تكون قوافل فك الحصار عن غزة دعماً لدويلتها المـُلتحية ضد تلك الدولة التي يديرها "أبومازن" وسلام فياض في الضفة الغربية، وغير هذا فإنها غير معنية به مادامت مصرة على رفض "المصالحة" مع "فتح" وفقاً للورقة المصرية المعروفة، ومادامت "الأنفاق" التي يقال إن عددها يتجاوز الألف نفقاً تشكل شرايين دولارات تدخل موازنتها على مدار الساعة، وبعضها يذهب إلى جيوب المؤلفة قلوبهم الذين إذا لم يكن دعمهم ممكنا، فإن صمتهم ضروري.

والسلطة الوطنية، وهذا قاله الأخ أبو مازن بعظمة لسانه، التي تخشى أن تكون حكاية أسطول الحرية من أولها إلى آخرها محاولة لتكريس واقع حال دولة غزة إلى جانب واقع حال الضفة الغربية، تصرُّ على أن أي فكٍّ للحصار يجب أن يكون من خلالها ومن خلال رئيس وزراء حكومتها سلام فياض خوفاً من أن يتأطَّر الانقسام الحالي سياسيّاً وجغرافياً وبصورة نهائية، وهذا هو ما تريده إسرائيل وتسعى إليه.

إذنْ، ومن يريد أن يراهن على غير هذا فعليه أن يراهن، فإن كل زوبعة "أسطول الحرية" ستنتهي إلى زوبعة في فنجان، والسبب في الحقيقة ليس عناد إسرائيل ولا تآمر الغرب والولايات المتحدة ولا "استخذاء" العرب والمسلمين، وإنما داء الانقسام المتفشي في الجسد الفلسطيني منذ البدايات عندما كان هناك "حسينيون" و"نشاشيبيون" ثم عندما وَلدت الثورة الفلسطينية التي انطلقت في الفاتح من يناير عام 1965 عشراتِ التنظيمات والفصائل و"الفسائل" وعلى طريقة الانشطار الأميبـي.

وهكذا، فإنه لا يوجد أي أمل في فك الحصار عن غـزة، على المدى القريب على الأقل، كما لا يوجد أي أمل في إنهاء هذا الانقسام الذي "تورم حتى غدا بلا رقبة" كما كان قال الشاعر العراقي المبدع مظفر النواب، ولذلك فإن على محمود عباس أن يتمسك برئيس وزرائه سلام فياض ليعملا معاً إلى حين يصبح بالإمكان إعلان دولة الضفة الغربية المستقلة، لتنضم إليها دولة غزة بعد عام أو عامين... أو عشرة... أو ألف عام... وهذا هو الحل!!