العنف المتفجر في العراق في هذه الأيام يؤكد للذين يواصلون إغلاق عيونهم بأيديهم حتى لا يروا حقائق الأمور أن هذا البلد أصبح حلبة لمتصارعين إقليميين ودوليين، كل واحد منهم يريد إقناع الأميركيين بأنه هو الرَّقم الأهم في معادلة هذه المنطقة، وأن عليهم إن هم أرادوا هدوءاً في بلاد الرافدين أن يتجهوا إليه وليس إلى غيره، والمؤسف أن هذه المبارزات والمساومات والمراهنات تتم بدماء العراقيين وبجماجم أطفالهم وعلى حساب بنْية بلدهم واستقراره.

Ad

لا توجد مقاومة في العراق لا الآن ولا في السابق منذ غزو عام 2003 وإسقاط نظام صدام حسين غير المأسوف عليه، والذين يرتكبون هذه المجازر هم قتلة مجرمون ومأجورون يُستخدمون ضد بلدهم وضد شعبهم من قبل دولٍ، ربما من بينها حتى إسرائيل، حوَّلت هذا البلد، الذي ابتُلي منذ ذلك الانقلاب الأسود في يوليو عام 1958 بأنه ما إن يخرج من مذبحة دموية حتى يدخل في أخرى، إلى حلبة لتصفية الحسابات بين قوى إقليمية ودولية، كل واحدة منها تريد من خلال سفك المزيد من دماء العراقيين إثبات أنها الرقم الأهم في المعادلة التي يجري رسمها لهذه المنطقة الاستراتيجية، وكل هذا يتم وللأسف مرة أخرى، والعرب غائبون وغارقون في ألاعيب صغيرة بينهم على غرار ما كان عليه وضع ملوك الطوائف قبل أن تسقط الأندلس ويخرج العرب والمسلمون من تلك البلاد بعد وجود استمر نحو ثمانية قرون.

عندما يتجلى الواقع العربي المؤلم بكل بؤسه وهزالته في قمة "سرْت" الأخيرة على هذا النحو، الذي لا يستطيع إنكاره حتى الأمين العام للجامعة العربية الأستاذ عمرو موسى الذي هو متفائل بطبعه باستمرار، فإنه أمر طبيعي أن تدور كل هذه المواجهات في العراق ويتحول إلى حلبة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية،  وصاحب "العـرس" الذي هو العرب، القريبون منهم والبعيدون، غائب ينشغل بأشيائه الصغيرة وعاجز عن إدراك مغزى ذلك المثل القائل: "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض".

ليست إيران وحدها التي تلعب في ساحة العراق مستخدمة جماجم الأطفال العراقيين كُرات صغيرة تتبادل تقاذفها مع آخرين في هذه المنطقة وخارجها، فهناك عرب لهم حساباتهم الإقليمية والدولية يشاركونها هذه اللعبة الجهنمية، وهناك دول لها مصلحة في المزيد من إغراق الولايات المتحدة في أوحال دجلة والفرات للتخلص من معادلة القطب الأوحد في العالم إلى معادلة عالمٍ متعدد الأقطاب،  وهناك إسرائيل التي بالإضافة إلى شطب القوة الاستراتيجية العراقية بالنسبة لصراع الشرق الأوسط تريد شطب العرب كلهم ليصبح تقاسم المستقبل بينها وبين أميركا وبين جمهورية إيران الإسلامية.  

إن هذا هو واقع الحال في العراق، وإن ما لا يدركه الساسة العراقيون أو أنهم يدركونه ولكنهم يتجنبون الاعتراف به هو أنهم يستخدمون كـ"بيادق" في لعبة أكبر منهم وأن اللاعبين الأساسيين، الدوليين والإقليميين، لجأوا إلى كل هذا التصعيد وإلى كل هذه المذابح لتصفية الحسابات بينهم ولإثبات أن التأثير الفعلي بالنسبة لوجود  الأميركيين في هذا البلد وفي المنطقة كلها ليس لنتائج الانتخابات العراقية ولا لشعوب هذه المنطقة وإنما لهم هم دون غيرهم.