يبهرك ما رسمَتْهُ أصابعك من ارتواء، رغم خابية العطش التي تحملها بين أضلعك،

Ad

تقبّل جبين إيمانك بما لديك،

تفرح قليلا...

إلّا أن بهجتك بما صنعت تنكسر عندما تتذكر:

لو أن لي شريكة أنبل، لابتكرت ما هو أكمل!

تتيقن حينها أنه كان بالإمكان أن تفعل أفضل مما كان،

تتأرجح بين عناقيد الانتصار التي تتدلى وتكاد تلمسها يداك، وبين استيطان رائحة الهزيمة على مشارف رئتيك.

مُعذبا بين ضفتين...

هل تفرح بقدرتك على تحريك سبابتك للتّشهد رغم أنف القيد؟! أم تحزن لعدم قدرتك على التصفيق بسببه؟!

هل مقولة: «انظر إلى النصف الملآن من الكأس» التفاؤلية وصفة ناجعة لكل انكسار؟!

وحامية لقلوبنا من الانصهار؟!

هل هذه العبارة كافية لصون أرواحنا من التصدع؟!

لو أن مطرا نزل في غير أوانه بعد سنين من القحط، فلم يُستفد من مائه، هل تعلم تلك العبارة عدد الذين كانت ستنقذهم يد المطر من الموت لو أنها أكملت حسن هطولها بحسن توقيتها؟!

أم نسارع بتجبير ضلوع التفاؤل بنصف الكأس الملآن برغم الجثث التي تحاصرنا؟!

لو أن لجنّة ترتجيها مفتاحين ملكت أحدهما واستحال عليك الآخر، هل يُدخلك نصف الكأس الملآن الجنة؟!

أم أن هذا النصف مارس عليك أملا زائفا بدخول جنة تقف على أعتابها، واستنزف جهدا كنت أولى بادخاره لإطفاء نار تلتهم أعتابك؟!

ليس صحيحا «دائما» أن النظر إلى النصف الملآن من الكأس أجمل من النظر إلى نصفه الفارغ،

أحيانا يكون الأثر لنصف الكأس الملآن، ذات الأثر لكأس فارغة،

بل يكون أحيانا أشد وجعا،

التفاؤل لا يتمتع دائما بصفاء النوايا،

ولا الأمل بالبراءة التي نظنها دائما فيه،

يمعن التفاؤل في سخريته منا ويطالبنا بالعرفان له!

يتهمنا بنكران الجميل لعدم شكرنا له على تعذيبنا!

ها أنت الآن..

يساومك الجميع على قبول النصف الملآن بالنظر إلى ما أنجزت، بينما ترى ما لم تُنجز!

يحاول الجميع هنا إقناعك بأنك قمت بكل ما هو عليك،

بينما أنت الوحيد الذي يعلم بما كان بمقدورك أن تفعل ولم تفعله!

تدور هذه الأفكار برأسك لتأرجحك أكثر حتى تكاد تصاب بالدوار،

يوقظك من إحساسك بالدوار، لكزة خفيفة من الجالس بجوارك بمرفقه،

تنبّهت إلى أن المذيع الواقف على المسرح ينادي باسمك لتسلم الجائزة الكبرى التي استحققتها مقابل عملك الإبداعي الأخير،

تصعد درجات المسرح متثاقلا،

تعلو قسمات وجهك تعابير لفرح مرتبك، ظنه البعض انعكاسا للمفاجأة، وبعض أصحاب النوايا السيئة همسوا بأنه ليس إلا تمثيلا غير متقن للخجل!

تسلمت الجائزة وسُلّمت الميكرفون لقول شيء ما، وربما لشكر أحد.

طوّحت نظرك في أرجاء المسرح، ثم استقر نظرك على زوجتك الواقفة

مازالت تتلقى التهاني لفوزك بالجائزة بابتسامة ملئها التواضع المصطنع،

المسرح يضج بالتصفيق والصفير والهتافات الفرحة،

انتظرت إلى حين هدأت الصالة تماما،

قلت جملة واحدة، ووضعت الميكرفون، ثم رحلت:

لو كانت شريكتي أنبل، لأبدعتُ ما هو أكمل!