في مناسبة الذكرى الخمسين لانطلاقة التلفزيون المصري، التي صادفت الحادي والعشرين من هذا الشهر، تم الإعلان عن النية قريباً في إطلاق فضائية عربية، أخبرني الزميل المبدع والشاب الذي يتدفق حماساً وحيوية عبداللطيف المناوي بأن طاقمها من محررين ومذيعين ومراسلين سيكون باقة من خيرة الإعلاميين العرب، وسيكون لها "استوديوهات" في الوحدات الطبيعية للوطن العربي، شمالي إفريقيا ووادي النيل والجزيرة العربية التي تشمل الخليج بالطبع وبلاد الشام، سورية ولبنان وفلسطين والمملكة الأردنية الهاشمية.

Ad

وهذه الخطوة، كما أوضح المناوي ستكون عودة إلى مرحلة سابقة توصف بأنها مرحلة المد القومي عندما كانت القاهرة المثابة العربية إعلامياً وسياسياً وعلمياً وفي كل ما يعتبر مكونات للأمة تشكل وجدانها الواحد، وهذا في حقيقة الأمر ما يحتاج إليه العرب، بل هم في أشد الحاجة إليه بعد أن أدى فقدان المرجعية القومية خلال العقود الأخيرة إلى كل هذا الانفلات وإلى كل هذا التشتت الذي أعادنا إلى واقع القبائل ولكن بلا مودة ولا رحمة.

ليست مصر في حاجة إلى فضائية وطنية أو "قُطْرية" جديدة فلديها من الفضائيات المتخصصة والعامة ما يغطي كل أنشطة شعبها الحيوية وفي كل المجالات، ومصر بالطبع الكبيرة بتاريخها وإنجازاتها وعظمة شعبها وتجاربها الفنية لا تنوي بإطلاق هذه الفضائية دخول المنافسة مع بعض الفضائيات التي أساءت إليها والمستمرة في الإساءة إليها، فهي أكبر من كل المناكفات ومن كل محاولات التعملق عليها والمثل يقول: "يا جبل ما يهزك ريحْ".

هناك قضايا عربية كثيرة تنتظر هذه الفضائية فهناك مسألة تعزيز الانتماء العربي وبخاصة بالنسبة لقطاع الشباب الذي تزيد نسبته على الستين في المئة من المكون الديموغرافي لهذه الأمة، وهناك توحيد الهم العربي ووحدة التطلعات العربية نحو المستقبل وهناك ضرورة أن يشكل العرب بدولهم واقتصادهم وحضارتهم وإمكانياتهم وقدراتهم العسكرية الرادعة أيضاً كتلة لها وجودها على هذه الخريطة الكونية التي أضحت خريطة وحدات جغرافية وكتل اقتصادية وعسكرية.

وفي النهاية فإنني أعتقد جازماً أن الزميل عبداللطيف المناوي قد توصل إلى قناعة بضرورة إطلاق هذه الفضائية العربية الواعدة من خلال استحضار تجربة صحيفة "الشرق الأوسط" ومطبوعاتها المتنوعة والمتعددة التي كان سر نجاحها واستمرارها من نجاحٍ إلى نجاح جديد أنها بقيت تُحرَّرُ بكفاءات عربية صحافية وكتابية وفنية ولأن هذه الكفاءات المستقطبة من أربع رياح الوطن العربي قد حولتها إلى ما يشبه باقة الزهور المتعددة الألوان المتناسقة والتي يكْمل كل واحد من ألوانها الألوان الأخرى... وهنا "فضائية العرب".