كلمني شكراً... سينما العشوائيات بطعم المرح والتجارة!

نشر في 29-01-2010
آخر تحديث 29-01-2010 | 00:00
 محمد بدر الدين تتميز أفلام المخرج خالد يوسف بالتنوع: الطابع السياسي في فيلمه الأول «العاصفة»، الكوميدي - الاجتماعي في «جواز بقرار جمهوري»، الرومنسي الميلودرامي في «أنت عمري»، النفسي في صيغة الإثارة والحركة في «ويجا»، إلى أن فاجأنا بعمله السينمائي الواقعي الأخاذ «حين ميسرة» وأتبعه بـ «الريس عمر حرب» الذي يحمل منحى فلسفياً يصوّر الشيطان ببعد لا يخلو من دراما «فاوست» الذائعة الصيت.

أخيراً، قدم لنا في موسم 2009 السينمائي «دكان شحاتة»، الذي يتراوح بين الواقعية والـ{تيمة» الشعبية - الأسطورية، مستمداً نذراً يسيراً من سيرة يوسف الصديق عليه السلام في إطار معالجة موضوعية لأحوال الوطن اليوم.

أما فيلمه الجديد «كلمني... شكراً»، الذي كتبه سيد فؤاد عن فكرة الممثل عمرو سعد، فأقرب في أجوائه وشخصياته إلى فيلم «حين ميسرة»، إنما بطعم المرح إذا جاز التعبير، أو لنقل هو صيغة خفيفة فكاهية من السينما التي تتناول موضوع العشوائيات بجدية.

لكن المشكلة أن الفيلم الجديد أوغل في هزليته، بمشاهد وحوارات حافلة بالسوقية والتلميحات والـ{إفيهات» الجنسية، من دون دواع أو مبررات من أي نوع، إلا لزوم الطابع التجاري لجذب جمهور الدرجة الثالثة وتحقيق أعلى إيرادات.

وجدت فئة من الجمهور في مشاهد الفيلم ما يضحكها ويسري عنها، لكن على حساب القيمة الفنية والمستوى الذي كنا نتوخاه أو نتمناه من سينمائي تتلمذ على يد يوسف شاهين ومخرج له مواقفه السياسية المعارضة و{المشاغبة» التي دأب على التعبير عنها بجرأة.

بطل الفيلم الجديد يدعى «إبراهيم توشكا» (عمرو عبد الجليل) الذي سبق أن شاهدنا نظيراً له في «اللمبي» أول أفلام محمد سعد كبطل، والذي هاجمته الصحافة على نطاق واسع واعتبرته واقعاً في الإسفاف، لكن للأسف كان الإسفاف وتدني العبارات في «كلمني شكراً» أوضح بل أفدح!

يشبه النمط في «كلمني شكراً» نظيره في «اللمبي»، إذ يعتصره الفقر والجهل إلى جانب الحظ العاثر المستمر. إنه النمط الشعبي الذي كلما حاول أن ينهض وينطلق في أي مشروع يجلب له رزقاً، يتحطّم طموحه على يد السلطات وبفعل الظروف القاسية الدائمة!

يتوزع إبراهيم على مدار الفيلم بين طرفين أو امرأتين، من جهة تمزقه علاقته بـ «أشجان» (غادة عبد الرازق) التي تقدّم له جسدها كما تقدمه لسواه، ثم لا تلبث أن تقدّم له طفلاً باعتباره والداً له وفي النهاية يتأكد من صدقها فيعترف بأبوته. من جهة أخرى، يسعى جاداً للزواج من «عبلة» (داليا إبراهيم) وهي فتاة أغرم بها منذ سنوات الصبا، لكن شروط والدها التعجيزية لإتمام الزواج تعطّل حلمه وتربك حياته أكثر مما هي عليه!

اللافت في عناصر «كلمني شكراً» الفنية، ديكور حامد حمدان ربما أكثر من أي عنصر آخر، فقد بنى باتقان حياً شعبياً أقرب إلى ما يطلق عليه أحياء أو أماكن العشوائيات.

«كلمني شكراً» فيلم طريف يحقق تسلية لجمهوره لا يمكن إنكارها، إلا أنه يحتوي على ثرثرة كان يمكن الاستغناء عنها لضبط الإيقاع أكثر وإحكام الدراما فيه على نحو أكبر، لكن يبدو أن أصحابه أرادوه فيلماً تجارياً أكثر منه فنياً، فأصبح «عابراً» مثل الأفلام العابرة التي لا تبقى طويلاً في الذاكرة!

back to top