استجواب وزير الإعلام الأخير لا يختلف كثيراً عن مسلسل الاستجوابات التي شهدها مجلس الأمة منذ الفصل التشريعي السابع عام 1992 في تداعياتها ومشاهدها الدراماتيكية، وإن تغيرت الاصطفافات السياسية وتبدلت المواقف من الحكومة، فالعامل المشترك في جميع الاستجوابات تقريباً؛ أن يتحول البلد برمته إلى شاشة سينمائية كبيرة وثلاثية الأبعاد الكل يشارك بالتمثيل فيها وسط تباين حاد في الآراء والاتجاهات حتى بين أقرب المقربين في العائلة الواحدة أو الديوانية الواحدة أو التيار السياسي الواحد.

Ad

ومثل هذه البانوراما السياسية قد تعكس التفاعل الشعبي مع الأحداث والقضايا المحلية ويدل على الحس الديمقراطي المرهف وقرب الناس من مؤسسات القرار، ولكنها أيضاً تجسد صورة من صور الحساسية الشديدة في مفاهيم الثقافية السياسية والإفراط في التعاطي المباشر مع المواضيع المطروحة في المجلس على وجه التحديد.

ولعل الحجم الصغير لمجتمعنا والتواصل المباشر واليومي بين المسؤولين والنواب وعامة أبناء الشعب من أسباب هذا التفاعل المستمر، كما أن كثرة الدواوين ووسائل الإعلام من فضائيات وصحف ومواقع إلكترونية وخدمة الرسائل الهاتفية تضيف بعداً آخر في التعاطي مع الأحداث تضع الجميع على مستوى واحد من الإحساس بأن لهم دوراً مؤثراً على النائب في اتخاذ موقف مؤيد أو معارض للاستجواب أو على طرح الثقة في وزير أو حتى فيما يخص الاقتراحات بقوانين المطروحة للنقاش والتصويت في البرلمان.

ومثل هذه الحالة السياسية قد يكون لها تأثير مباشر أو غير مباشر على قرار بعض النواب وليس بالضرورة الاحتكام إلى قناعاتهم الشخصية أو تشخيصهم المباشر للحدث نفسه، ومن صور الضغوط التي تمارس، خصوصاً في الاستجوابات عبارات من قبيل "شوف مصلحتك ومصلحة ربعك وجماعتك" أو "لا يقصون عليك فلان وعلان" أو "طلبتك أو نخيتك" أو "يا أخي الديرة كلها خربانة وما يات إلا على رأس هالفقير"، وقد يصل الأمر إلى حد التهديد والوعيد في الانتخابات القادمة والتذكير بعدد الأصوات التي جمعها لك وغير ذلك من العبارات والمناشدات على الطريقة الكويتية!

وطبعاً هذا الأسلوب الضاغط لا يعني جماعة دون أخرى، فمن يرى المصلحة في التصويت مع الوزير قد يلجأ إلى هذه الضغوط، ومن يرى أن المصلحة في التصويت ضد الوزير يقوم بنفس الدور وبذات الأدوات أيضاً.

أما معايير اتخاذ الموقف فلا حصر لها كذلك، فقد تبدأ بمزاج شخصي، أو بدرجة القرب والبعد من الوزير المستهدف، أو بسبب معاملة فردية أو خدمة خاصة أنجزها الوزير أو لم ينجزها، وقد تنتهي بمعادلات أو تكتيكات سياسية على مستويات أعلى وأعقد بكثير.

وفي جميع الأحوال وأمام خيارين لا ثالث لهما فقد يخسر النائب، أياً كان رأيه وموقفه وبالتالي تصويته، أعز المقربين والمؤيدين له وقد يزعل منه بعض محبيه، وقد يُقذف بألوان وأشكال من التهم والأوصاف ربما تصل أحياناً إلى ذمته وأخلاقه.

ولما كانت مثل هذه المؤثرات مستمرة في كل موقف وموضوع وأن خسارة المؤيدين والأحباب شر لابد منه في أي اتجاه قد يتخذه النائب، فبالتأكيد أن القرار الذي ينسجم مع ذاته ويسكن اضطرابات ضميره ويرى أنه المبرئ لساحته أمام الله أولاً وأخيراً هو ما يوصله إلى بر الأمان.