ذكرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، أثناء زيارتها الأخيرة إلى الخليج العربي، حقيقةً جلية باتت واضحة أخيراً للدول الأخرى: إيران تسير على درب الدكتاتورية العسكرية.
مع ذلك، سيكون الحل الذي اقترحته بفرض عقوبات مشددة تهدف إلى إضعاف آية الله علي خامنئي، والرئيس محمود أحمدي نجاد، وحلفائهم من الحرس الثوري، الأثر المعاكس، بما معناه بأنه سيعزز قوتهم. بهذه الطريقة، ستلقي الحكومة الأميركية طوق النجاة للنظام الإيراني الخائرة قواه، وذلك باسم الترويج للديمقراطية. من شأن هذه العقوبات توليد عكس النتائج المرجوة لأن خطر نشوب أزمة دولية يشكل المورد الوحيد المتبقي لدى النظام لإضفاء الشرعية على سلطته الاستبدادية. يُذكَر أن دعامات السلطة السابقة في طهران كملكية الأراضي الواسعة، وبازار المدينة، والنظام الملكي، والسلطة الدينية، تفككت عبر حركات ثورية متتالية على مر السنوات. فقد أُجبر الشاه على إلغاء ملكية الأراضي الواسعة في ستينيات القرن الماضي. هذا وقضت ثورة عام 1979 على النظام الملكي. أما النظام الدكتاتوري الذي تلا انقلاب عام 1981 الذي أطاح حكومتي فقد جاء بدعم من رجال الدين فحسب. بما أن شرعية الانقلاب المُحفّز من رجال الدين كان في غاية الهشاشة، لم يستطع هؤلاء الأصوليون الذين خططوا له تعزيز أحقيتهم بالسلطة إلا عبر إغراق البلاد في أزمة دائمة من خلال المواجهة، فقد بدأ تنفيذ هذه الاستراتيجية مع احتلال الطلاب السفارة الأميركية في طهران مباشرةً قبل انتخابي رئيساً واستمرت على ذلك المنوال عبر مواصلة الحرب ضد العراق بعد أن قبل الرئيس صدام حسين بشروط إيران لإنهائها وذلك بعد تسعة أشهر على اجتياحه لها في عام 1980.لكن منذ تولّي الرئيس أحمدي نجاد زمام السلطة، هجر معظم رجال الدين السلطة أو عُزلوا، ومع ذلك، يبدو الوضع أكثر هشاشةً، وهكذا تشكّل إثارة العداوة الدولية في هذا السياق الدعامة الأخيرة لقدرة النظام على التشبث بالسلطة. على الرغم من أن سياسة المواجهة مع إيران التي اعتمدها جورج بوش الابن كانت أشبه بهدية للنظام، مساعدةً أحمدي نجاد على تعزيز سلطته عبر الوقوف في وجه الولايات المتحدة، فإن الرئيس أوباما استرد هذه "الهدية" بسياسته البعيدة عن المواجهة، متيحاً مجالاً سياسياً للإيرانيين للتصدي للنظام. في المقابل، في حال عدل أوباما اليوم عن سياسة عدم المواجهة الأميركية وعاد إلى المقاربة التي اتُخذت في عهد بوش، فسيكون من الصعب أكثر على الإيرانيين مواصلة مهمتهم المستمرة والبطولية باستبدال المافيا المالية-العسكرية الحاكمة بديمقراطية ذات صناعة محلية. لذلك من المستحسن أن يتجنّب أوباما سياسات المواجهة مثل العقوبات الاقتصادية أو التهديد بهجوم عسكري، وفي المقابل، على الولايات المتحدة السماح للإيرانيين بمواصلة نضالهم لحين استكماله، لأنهم يملكون القدرة المطلقة.في حال دعمت الحكومات الحركة الديمقراطية في إيران بحق، فإن عليها اعتماد موقف من الحيادية الفاعلة، ولا تقضي مثل هذه السياسة بتجنب المواجهة فحسب، إنما تعني أيضاً اتخاذ موقف "فاعل" بشأن مسائل حقوق الإنسان، ونشر معلومات عن أسماء الأعضاء البارزين في النظام وحيازاتهم المالية في البنوك الغربية وغير الغربية، ووقف بيع الوسائل التكنولوجية التي قد تُستخدم لفرض الرقابة والقمع، وفي النهاية، دعم المساعي الرامية إلى محاكمة قادة إيران على جرائمهم بحق الإنسانية بسبب قمعهم الذي يزداد وحشيةً مع ازدياد عزلتهم. في النهاية، يسمح تبني هذه السياسات بتقديم عون كبير للإيرانيين في نضالهم لإنشاء دولة ديمقراطية، فالمواجهة مع الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة هو جل ما يتمنّاه الحرس الثوري، وخامنئي وأحمدي نجاد، ومن دونها، لا يستطيع النظام الدكتاتوري العسكري النجاة من معارضة الشعب الإيراني نفسه.* ابوالحسن بني صدر | Abolhassan Bani-Sadr أول رئيس للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويعيش اليوم في المنفى خارج باريس.
مقالات
العقوبات تعزز قوة النظام الإيراني
12-03-2010