مؤسف جداً ما كتبه الشيخ حامد العلي تحت عنوان «جدة بين اختلاط المجاري واختلاط الجواري»، إنه شيء يبعث على الأسى أن يشمت شيخ مسلم بالكارثة التي حلت ببوابة الحرمين والمدينة التي خرّجت آلاف العلماء والدعاة لمجرد اعتراضه على الاختلاط في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، لقد داهمت السيول المساجد وثمة صور كثيرة يظهر فيها المصلون وهم يقاومون السيول، ولعله يعود إلى شبكة الإنترنت التي نُشر عليها مقالته ليتأمل المشاهد المتعلقة بغرق الداعية سناء أبو الغيث- رحمها الله- كي يراجع ما كتبه حول الجواري!

Ad

فرحة حامد العلي لم تمكنه من معرفة حقيقة ما حدث في جدة، حيث زعم أن المدينة غرقت بسبب انهيار سد بحيرة المسك، وهذا غير صحيح على الإطلاق، فالسدود الترابية التي تحيط ببحيرة المسك لم تتعرض للانهيار ومازال الوضع تحت السيطرة، بل كان السبب الحقيقي لحالة الغرق هو وجود بعض الأحياء السكنية المخالفة في بطون الأودية ووجود بعض الإداريين الفاسدين الذين لم يقوموا بواجبهم لمواجهة مثل هذه الأخطار المحتملة، وهم اليوم يحاولون الهروب من المحاسبة التاريخية التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين بترديد ما يقوله بعض المتشددين من أمثال الشيخ العلي بأن ما حدث هو: عقوبة من السماء!

يقول العلي، وقد غمرته السعادة كما غمرت المياه شوارع جدة، محاولاً الربط بينها وبين أزمة ديون دبي: «وعلى ضفتي جزيرة العرب مهد الإسلام ومهبط الوحي، ضرب الله تعالى للناس الأمثال بتسونامي تجاري وتسونامي المجاري، وعجيب هذا الربط الرباني بين قرن الربا والزنا والخسف الاقتصادي في شرق جزيرة العرب، والربط بين مظاهر الفساد الأخلاقي بفتح باب الاختلاط ما بين الشباب والجواري»، ومثل هذا القول أقل ما يقال عنه إنه صادر عن عقلية مضطربة، فالسيول قد داهمت في يوم من الأيام الحرم المكي، وتوجد صور للكعبة المشرفة وقد غمرها الماء إلى منتصفها، وواجب المسلم هو مواساة إخوانه في الإسلام حين يتعرضون لكارثة بهذا الحجم وليس الشماتة بهم واتهامهم بالباطل.

وإذا أردنا الصدق، فإن الشيخ العلي ليس وحيداً في نظرته المضطربة وموقفه المعيب، فثمة عدد من المشايخ في السعودية قد أصدروا بياناً أرجعوا فيه كارثة السيول إلى المفاسد الأخلاقية التي تحدث في جدة رغم معرفتهم بأن الأحياء التي تعرضت للضرر هي الأحياء الفقيرة التي وقع أهلها ضحية جشع ملاك الأراضي وسوء التخطيط.

ومثل هذه البيانات تُعد لوناً من ألوان «الإرهاب النفسي» لأنها تحمل الإنسان الضعيف مسؤولية الكارثة، وقد سبق أن صدرت بيانات مماثلة عندما ضربت هزات أرضية قرية العيص في شمال غرب المملكة، وكذلك عندما ضربت عاصفة رملية الرياض، ومن المعروف أن الإرهاب النفسي قد ازدهر في أوقات سابقة، حيث تم تحميل أهل الكويت مسؤولية الغزو العراقي وتحميل اللبنانيين البسطاء مسؤولية الحرب الأهلية، وتحميل أهل فلسطين مسؤولية الاحتلال الإسرائيلي!

ومن المثير للانتباه أن مثل هذه الخطابات المضطربة حول كارثة جده تزامنت مع بيان تنظيم «القاعدة» الإرهابي الذي حاول أن يغسل بسيول جدة يديه الملطختين بدماء الأبرياء!

* كاتب سعودي